"جوجل" و"فيسبوك" والإستقطاب

"جوجل" و"فيسبوك" والإستقطاب

18 فبراير 2016
+ الخط -
نميل، نحن البشر، إلى الانجذاب إلى الناس الذين يفكرون مثلنا، إذا ما اتفقنا مع أحد ما في المعتقدات والآراء، فهذا يزيد من إمكانية تكوين صداقة مع هذا الشخص، كما أننا نحيط أنفسنا بالمعلومات التي تتطابق مع معتقداتنا وآرائنا في الحياة. قد يبدو هذا منطقياً للوهلة الأولى، لكنه يعني أننا نغض الطرف بشكل غير واعٍ عن أي معلوماتٍ قد تهدد وجهات نظرنا الأخرى، ذلك أننا نحيط أنفسنا بأناس ومعلوماتٍ، تحملنا على الإيقان بصحة ما نفكر به، وتجعلنا بالمقابل أكثر تمسكاً به.
يدعى هذا بالانحياز التأكيدي، ويحدث عندما نختار، بشكل انتقائي، مصادر المعلومات التي تؤكد معتقداتنا. نحن نوافق من يوافقنا الرأي. لذلك، نزور المواقع التي تعبر عن آرائنا السياسية، وللسبب نفسه، نمضي أوقاتنا مع من لديهم ذوق أو وجهة نظر مشابهة لخاصتنا، ونفضل الابتعاد عن الأفراد أو المجموعات، أو حتى مصادر الأخبار التي تدفعنا إلى الشك في وجهة نظرنا. يمكن تعريف الإنحياز التأكيدي بأنه ذلك التصرف غير الواعي الذي يدفعنا إلى الميل إلى وجهات النظر تلك التي تغذّي آراءنا المسبقة، وفي الوقت عينه، لتجاهل الآراء أو رفضها، بغض النظر عن مدى صحتها، وهي التي تهدد نظرتنا للعالم الخارجي.
في الماضي، وقبل عصر الإنترنت، كنّا نقوم بذلك بشكل مقصود وواضح، نشتري جريدة دون غيرها، ومجلة معينة دون غيرها، نستمع لإذاعة دون غيرها، ونتابع القناة التلفزيونية التي تغذي آراءنا السياسية، والتي توافق توجهاتنا الإجتماعية. وإذا كنّا نقوم بذلك سابقاً بشكل واع ومقصود، فإن شبكة الإنترنت، الآن، تقوم بذلك عوضاً عنا بشكل غير مباشر، وذلك بواسطة خوارزمياتها الخفيّة.
على سبيل المثال، تقوم محركات البحث المختلفة، وعلى قمتها محرك البحث جوجل، بالإضافة إلى موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، باختيار النتائج التي تتوافق مع آرائنا السابقة، عندما نبحث عن موضوع معين. تقوم بذلك متعلّلة أنها تعرض النتائج التي تعتقد أنها مهمة لنا، بعبارة أخرى، تختلف النتائج التي نحصل عليها عبر"جوجل" من شخص إلى آخر. في المقابل، يستخدم "فيسبوك" خوارزمية برمجية، تختار أهم أخبار الأصدقاء التي يعتقد أنها تهمنا، ويعرضها بعد دخولنا إلى الموقع، ويختار، من دون استشارة جديِّة منا، ما يراه مناسباً من حوالي 1500 خبرٍ متاح له.
يشرح إيلي باريسر مؤلف كتاب فقاعات الترشيح filter bubble تلك الظاهرة المخيفة، والتي تم تسميتها بمصطلح فقاعات الترشيح، وذلك أنها تصفي المعلومات وترشحها، وفق اهتماماتنا السابقة، عوضاً عن عرضها كلها. تتمثل فقاعات الترشيح بتخمين خوارزميات محركات البحث المعلومات التي قد يرغب المستخدم أن يراها، بناءً على معلومات عنه (مثل مكان وجوده، ما يستعرضه سابقاً، ميوله الفكرية، ...الخ) ونتيجة لذلك، يصبح المستخدم منعزلاً عن المعلومات التي لا تتفق مع وجهات نظره، ما يعزله في فقاعاته الثقافية أو الفكريّة الخاصة به.
إذا كنت تستخدم "فيسبوك"، لابد أنك قد لاحظت أنه يقوم، من دون استشارتك بإخفاء منشورات أصدقائه، ذوي الآراء السياسية المختلفة عنك، أو الأصدقاء الذين لا تهتم لرأيهم، ولا تقوم بالإعجاب بمنشوراتهم، وشيئاً فشيئاً تختفي هذه المنشورات من صفحة "فيسبوك" العامة، حقيقة الأمر أن "فيسبوك" يراقب سلوكك، وما أن يلاحظ أنك لا تهتم لشخص ما، ولا تقضي وقتاً طويلاً في صفحته، ولا تقوم بالإعجاب بمنشوراته، أو التعليق عليه، يبدأ بتقليل عرض منشورات ذلك الشخص لك، وبعبارة أخرى، ستزيد منشورات الآخرين الذين تتفق معهم فكرياً، والذين تقوم بالإعجاب بآرائهم، والتعليق عليهم باستمرار.
أما بالنسبة لمحرك البحث الأشهر جوجل، في تجربة بسيطة، طلبت من مجموعة من الأصدقاء السوريين الموجودين في دول مختلفة، البحث عن جملة "أخبار سورية" ضمن محرك البحث جوجل، والطلب منهم إرسال صورة عن النتائج وترتيبها. كانت الصور التي أرسلها الأصدقاء متوافقة مع ما سبق، إذ اختلف ترتيب المواقع حسب ميول الأفراد الفكرية، والسياسية، وحتى الفنية. ففي حين كان الخبر الأول لأحدهم عن فوز حازم شريف بلقب آراب آيدول، كانت النتيجة الأولة لشخص آخر، أحدث تصريح لـ بوغدانوف عن سورية منقولاً عن موقع قناة روسيا اليوم.
اختلفت النتائج من شخص إلى آخر، وفق الحالة السياسية بشكل واضح، حيث تربّعت لبعضهم نتائج المواقع المؤيدة لأطروحات النظام السوري، في حين تربعت لآخرين المواقع المعارضة للنظام، ولا داعي لإخبارك أن جوجل استكشف ميول كل شخص، نتيجة ما يقوم بقراءته سابقاً، وإذا أخذنا بالإعتبار أن الشخص عادة ما ينقر على النتائج الأولى في عملية البحث. بعبارة أخرى، سينقر على النتائج الأولى التي اختارها "جوجل" له بناء على توجهاته، وبالتالي، سيؤدي ذلك لتعزيز رأيه وزيادة استقطابه، ومتابعة قراءة الأخبار التي توافق رأيه المسبق، وبالتالي، تعزيزها أكثر فأكثر، وعدم اطلاعه على الأخبار المخالفة لرأيه، على الرغم من أنه قام بالبحث، أي ما يفترض أنه بحث موضوعي عن موضوع معيّن.
في المحصلة، تكمن خطورة ذلك أنه يعيش كل شخص ضمن عالم المعلومات الفريد الخاص به، ويعتقد أنه يمثل الإنترنت، ويصبح لكل شخص فقاعة الترشيح الخاصة به، والتي تقوم بشكل برمجي بترشيح المعلومات له، وفق ميوله، ما يؤدي إلى تقليل تعرّضه لوجهات نظر متباينة، وينعزل فكريًا في فقاعة معلوماته الخاصة، ما يزيد انحيازه التأكيدي. وذلك كله يؤدي في المحصلة إلى زيادة الاستقطاب في المجتمع، وعدم معرفة وجود الآراء الأخرى، قبل قبول تقبلّها أصلاً.
avata
avata
فادي عمروش (سورية)
فادي عمروش (سورية)