أوهام نظام السيسي

أوهام نظام السيسي

30 نوفمبر 2016
+ الخط -
المتتبع لسياسات وتحركات نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لا بد أن يشعر بأن الرجل ودوائر النخب التي تدور حوله، أو التي يدور هو حولها، إما أنها تعيش حالةً من الوهم المطلق، أو أن هناك محاولة واعية منه لجعل الآخرين يعيشون هذه الحالة. فمن جهةٍ، تنضح وسائل إعلام هذا النظام بكل ألوان الشتائم ضد السياسات الأميركية و"المؤامرات الإسرائيلية التي تستهدف مصر وشعبها"، حتى يخيّل للمرء أن الحرب تكاد تنشب بينه وبين إسرائيل، لولا أن رئيس حكومة الأخيرة ما يفتأ يذكّرنا، بين حين وآخر، بفضائل نظام السيسي على بلاده، وجديدها تلهفه لنجدتها من سعير النيران التي اجتاحتها. ثم تطالعنا بعد ذلك صحيفة "السفير" اللبنانية بعنوان عريض على الصفحة الأولى عن وصول "طلائع عسكرية مصرية إلى سورية، بينهم 18 طياراً"، لمؤازرة قوات "الجيش العربي السوري". هنا أيضاً، يخيّل لنا أننا نعيش أجواء الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت مصر تهب من دون تباطؤ إلى نجدة شقيقاتها في المشرق العربي في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على الجبهة وفي العمق، لولا أن الحرب التي يخوضها النظام السوري وحلفاؤه في جبهة الممانعة تدور في أحياء حلب وأريافها شمالاً، وليس على الحدود الجنوبية.
ثم نقرأ عن زيارة يقوم بها وزير الخارجية المصري "المخضرم"، سامح شكري، إلى بغداد، للتعبير عن تضامنه معها في مواجهة الإرهاب، وحيث تجري ترجمة ذلك بتوقيع مذكّرات تعاون مع الجيش العراقي تدريباً وتسليحاً. هنا، أيضاً يخيّل لنا وكأن مصر التي طالما تبوأت دور القيادة في العالم العربي، الممانع منه خصوصاً، تبحث في إحياء جبهة عربية موحّدة مكونة منها إلى جانب سورية والعراق. وفيما تقوم مصر بهذا كله، ترتفع نبرة الهجوم ضد بعض دول الخليج العربية، وسياساتها "الداعمة للقوى التكفيرية والظلامية"، الرافضة مشروع "التنوير والحداثة"، كما رفضت من قبل المشروع القومي العربي، وأسقطته بعد سلسلة ضرباتٍ بدأت بكسر الوحدة مع سورية، وصولاً إلى استنزاف مصر في حرب اليمن.
لا يمكن أن يكتمل هذا المشهد طبعاً من دون استحضار قوى الممانعة الدولية (روسيا والصين) التي "تقاوم" الهيمنة الأميركية، وتحاول إنشاء نظام دولي أكثر "توازناً". من هنا، تغدو محاولات التقارب مع روسيا، تحديداً، جزءاً من العالم الذي يسعى نظام السيسي إلى تركيبه، عبر محاولة إحياء نسق الاصطفاف القديم الذي كان قائماً في فترة الحرب الباردة. في هذا السياق، يمكن فهم الموقف المصري المؤيد في مجلس الأمن مشروع القرار الروسي الخاص بسورية. ومن هنا أيضاً، يمكن فهم تنامي العلاقات بين الطرفين عبر التوقيع على عقودٍ لإنشاء مشاريع استراتيجية، مثل محطة الضبعة النووية، فضلاً عن محاولة إحياء العلاقات العسكرية وارتفاع وتيرة الزيارات المتبادلة.
حقيقة الأمر أن نظام السيسي الذي يظن أن بإمكانه إعادة تركيب صورةٍ مستعارةٍ من الماضي في سبيل شرعية مسفوحة، ودور إقليمي غائب، لن يستطيع، مهما فعل، أن يخفي التناقضات الفاضحة التي تحويها هذه الصورة، فلا مصر التي يحكمها هي مصر التي كانت في فترة الحرب الباردة، ولا هو الزعيم أو القائد الذي يستطيع أن يعيد إليها الدور الذي فقدته. في الحدود الدنيا، لم تعد مصر قوة التغيير التي كانت، وليس لدى تحالف الممانعة الذي تنتسب إليه، ويمتد من بكين وموسكو إلى القاهرة وما يليها، ما يمانعه إلا تطلعات شعوبه. أما محاولة إنشاء تكتّل من جمهوريات عربية "حداثية" في مواجهة ملكياتٍ محافظةٍ، فلا تتعدى، هي الأخرى، عتبة الأوهام، لا لشيء إلا لأن الأنظمة الجمهورية اليوم أكثر رجعيةً ومحافظةً من الأنظمة الملكية، والأسوأ أنها غدت أنظمةً طائفيةً فاقدةً للبوصلة الوطنية، وملحقة بإيران أو روسيا. أما المؤامرات الأميركية فسيختفي الحديث عنها، بمجرد تبوؤ الأخ الأكبر (ترامب) السلطة، وانضمامه هو الآخر إلى معسكر الممانعة.
إذا لم تكن نخب نظام السيسي مدركةً حقيقة هذه التناقضات، فهذا يعني أنها تعيش حالة من الوهم المرضي، أما إذا كانت مدركةً، وتظن أن أحداً لا يلحظها، فهي، بلا شك، تعيش حالةً من التحذلق الساذج، وربما السمج أيضاً.