الشرعية والمشروعية والشرعنة

03 سبتمبر 2015
+ الخط -
من الكلمات والمصطلحات التى نستخدمها كثيراً، ونفهمها قليلاً، الشرعية والمشروعية والشرعنة، وعادة ما يتم استخدامها من باب الوجاهة الأكاديمية، سعياً إلى إضفاء شكل من المصداقية على المتحدث في محاولة لتسويق وجهة نظر معينة، باعتبار أنها الحقيقة، وعلينا قبولها من دون أي تفكير، أو مراجعة، أو مناقشة. 
ولأن الموضوع مهم، ويتعلق بحاضرنا ومستقبلنا في عالمنا الطبيعي، وليس النظري أو الاصطلاحي، سنحاول تناوله بعيداً عن الأكاديميا، ومصطلحاتها، وتعريفاتها، وهذا بالطبع من دون التقليل من أهمية الأكاديميا للباحثين والمتخصصين ودارسي العلوم السياسية وأساطينها.
الشرعية أكثر المصطلحات تداولاً بين كل الفرقاء، وعادة نستخدمه على مستويين. الخاص، وهو المتعلق بشؤون الأسرة والعائلة والقبيلة والعشيرة، حيث تعود الشرعية إلى الوالدين ورب العائلة وشيخ القبيلة أو العشيرة، والمقصود بالشرعية، هنا، الحق فى اتخاذ القرارات والمواقف المتعلقة بشؤون الأسرة، والعائلة والقبيلة والعشيرة، استناداً إلى ضوابط دينية، وأعراف مجتمعية، قد تختلف وتتباين من دين الى آخر، وما بين المجتمعات المختلفة، كأحكام المواريث، مثلاً، وحدود سلطة الأبوين على الأبناء التي تختلف ما بين المجتمعات الشرقية والمجتمعات الغربية، فقد يكون من حق الأبوين في مجتمع ما، استخدام العقاب البدني للأبناء، حتى بعد بلوغهم سن الرشد، بينما يصبح الأمر مخالفة قانونية، لو استخدم الأبوان العقاب البدني ضد أطفالهم، في مجتمعات أخرى، والأمثلة عديدة، وكلها تندرج تحت مصطلح الشرعية، بالمفهوم الاجتماعي.
والمستوى الثاني لاستخدام مصطلح الشرعية هو المستوى العام، أي الشرعية بالمفهومين، السياسي والقانوني، حيث تعود الشرعية على الحاكم والحكومة، ومؤسسات الدولة والحكم، وجهات الإدارة العامة للمصالح والخدمات، وغيرها من أمور متعلقة بإدارة شؤون البلاد والعباد. وهذا المستوى من الشرعية هو المستوى المكتسب، طبقا لقواعد محددة، مستمدة من القيم الأساسية التي توصلت إليها البشرية عبر استيعابها جوهر الشرائع الدينية، وتجاربها الحضارية، والتي يمكن تحديدها في مبادئ واضحة هي، القبول والإيجاب، والشورى والمشورة، والعدل والمسؤولية، بمعنى الاختيار الحر المباشر من عموم المواطنين للحاكم، والحكومة، على قاعدة قانون أساسي (دستور) متفق عليه، فتنشأ المؤسسات التشريعية المنتخبة (البرلمان) التي تُمارس التشريع للقوانين التي تُقيم مؤسسات العدالة، والرقابة، وتمنحها الاستقلال، وتحدد ضوابط العلاقات والمسؤوليات للحاكم والحكومة وسائر المؤسسات، وعامة الناس والمواطنين، في إطار ما يتم التوافق عليه من قوانين وضوابط عبر مؤسسات التشريع المختلفة، على أن يكون ذلك لفترة محدودة ومحددة، يعاد بعدها الأمر برمته إلى الناس/ المواطنين، ليعيدوا الاختيار الحر، وهو ما نطلق عليه التداول السلمي للسلطة.
أعتقد أن تلك هي الشرعية في أبسط وأوضح صورها، وكل ما يصدر عن تلك المؤسسات التى قامت على مبدأ الشورى، والمشورة، والاختيار الحر المباشر، يكتسب، بالطبيعة، المشروعية، أي يكون عملاً مشروعاً، سواء كان قراراً أو إجراء تنظيمياً، أو استخداماً لخدمة عامة، أو ممارسة لحق من حقوق الإنسان، طالما فى إطار ما تم التوافق عليه من قوانين.

أي أن الشرعية لا يمكن تجسيدها في شخص، أو مؤسسة، لكنها حالة محكومة بالطريقة والأسلوب الذي جاء به الشخص، أو المؤسسة إلى سدة الحكم والسلطة، أما من يملك الشرعية فهو الشعب، أي عموم الناس وأغلبيتهم، والأصل أن الشعوب لا تتخلى عن الشرعية مطلقاً، لكنها تعطي الحق لمن تختارهم بإرادتها الحرة في أن تكون لقراراتهم، وإجراءاتهم، المشروعية، أي الحجية القانونية، بشرط خضوعها للرقابة والمساءلة.
هذا عن الشرعية، والمشروعية، من دون الدخول في مسارب مصطلحات الأكاديميا، سواء في علم السياسة ونظرياتها، أو في علم الاجتماع وفروعه، ولا بد هنا من التطرق إلى سؤال مهم، قبل أن ننتقل إلى المصطلح الأخير الخاص بالشرعنة، وهو سؤال منطقي:
ماذا لو منح الشعب، والمقصود هنا عموم وأغلبية الناس، المشروعية، أي الحق في الحكم فترة محددة، لشخص أو حزب أو حكومة، ثم تعرضت البلاد لملمات كبرى خرجت عن السيطرة؟ ولم يعد فى المقدور تحمل ما قد يترتب عليها من نتائج مجتمعية سلبية؟
وبعيداً عن أي إسقاطات غير مقصودة، في تلك الحالة، لا يكون مطروحاً أمام الناس، سوى أحد أمرين، أن يتم تصويب مسار الحكم، إذا كان ذلك ممكناً، أو أن يعيد الحاكم أمانة المشروعية إلى من سبق أن كلفوه بها طواعية، أو أن يستعيد الشعب المشروعية مباشرة، ويستخدم شرعيته الأصيلة في الاختيار الحر المباشر عبر آليات الشورى والمشورة من جديد. هذا إذا كانت الشعوب رشيدة بالقدر الكافي. ولهذا الأمر سوابق عدة، في بلدان عديدة، وهو ما يطلق عليها الانتخابات المبكرة، سواء للحاكم أو للبرلمان.
بشأن الشرعنة، إذا كانت كل لغات العالم لا تعرف، في هذا المجال، سوى مصطلحين، الشرعية والمشروعية، فإن لغتنا الجميلة نحتت مصطلحاً مبتكراً، هو الشرعنة، فإذا كان الأصل في الأشياء أن الشعب صاحب الحق الأصيل فى الشرعية، وفي إطار منظومة قيمية أساسية متوافق عليها، يمنح، بإرادته الحرة، المشروعية لمن يختار، ليمارس سلطة الحكم والإدارة، بشروط معينة، يتم التعارف عليها، وتكون بمثابة العقد الاجتماعي فترة محددة، فهناك شكل آخر من العلاقة تم ابتكاره في عالمنا العربي، باعتبار أن هناك شعوباً لم تبلغ بعد سن الرشد الذي يمكّنها من حسن الاختيار، فتنشأ جماعة نخبوية دينية، أو أيديولوجية، أو عرقية، أو عسكرية، تدّعي حقاً مقدساً في السلطة، وحتى تُكسب سلطتها المشروعية، تدير عملية عكسية، بأن تستولي على السلطة أولاً، وتقيم مؤسساتها، ثم تدعو الشعب (عموم الناس) لعملية اختيار، يكون بطبيعة الحال لها، وهي نماذج نراها في كل وطننا العربي، وتتراوح ما بين الاستفتاء والانتخابات المقيدة، ومبايعات قبلية أو عشائرية أو طائفية ومذهبية. وهكذا تكون لغتنا الجميلة قد أبدعت مصطلح الشرعنة. لا أعتقد أن هناك من سيرهق نفسه بالبحث عن ترجمة له.

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.