أوروبا أسد على المهاجرين

أوروبا أسد على المهاجرين

31 اغسطس 2015
+ الخط -
تصدرت أنباء قوافل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف العالمية. وجمع بينها جميعاً إبراز أن مئات من المهاجرين يقضون غرقاً في مياه البحر أو اختناقاً في شاحنة مغلقة، وبالكاد يتم إنقاذ عشرات منهم. ما يدعو إلى الانتباه هو التركيز الإعلامي على هذا الجانب من قضية الهجرة غير الشرعية، في هذا التوقيت تحديداً. فعمليات الهجرة غير الشرعية مستمرة منذ عقود، تزداد وتنحسر، وفقاً لاعتبارات عديدة، تتقدمها ظروف دول المهاجرين الأصلية وأوضاعها. صحيح أن تلك الأوضاع ربما لم تكن في يوم أسوأ مما هي عليه حالياً، خصوصاً في الدول التي تعاني حروباً أهلية، أو تفككاً وانهياراً شاملاً، مثل سورية واليمن وليبيا. لكن الصحيح أيضاً أنه، بالتوازي مع تلك التطورات السلبية، تفتح الدول الأوروبية أبوابها بشكل شرعي لآلاف من اللاجئين. وتغض الطرف عن أعداد أخرى، تتسلل إليها بطرق غير شرعية.
الجديد الذي لم يشر إليه الإعلام العالمي، وهو يسلط أضواءه على قضية المهاجرين وتدفقاتهم المتزايدة، أن الدول الأوروبية تبحث جدياً فكرة التدخل واستخدام القوة لمواجهة عمليات الهجرة غير الشرعية. وبالتالي، تصبح الحملة الإعلامية الجارية عملية تمهيد للرأي العام، لكي يتقبل الإجراءات الأوروبية المحتملة. إلى هنا، ليس في الأمر ما يقلق، تسلسل منطقي يتم في كل الحالات، عندما تريد الدولة أو الدول اتخاذ إجراءات مهمة، سواء في التعامل مع شعوبها ومواطنيها، أو مع مواطني دول أخرى وشعوبها. لكن، لو توقف الأمر عند ذلك، لتركزت الأنباء التي تلح علينا يومياً بشأن زيادة أعداد المهاجرين بشكل يضعف قدرة الدول المستقبلة على استيعابهم. أو، مثلاً، السلبيات المرتبطة بسلوكيات المهاجرين، أو صعوبة اندماجهم مع المجتمعات الأوروبية، إلى غير ذلك من التداعيات المصاحبة لعمليات الهجرة غير الشرعية خصوصاً. غير أن ما يحدث منذ أسابيع هو تركيز وإلحاح إعلامي على ما يتعرض له المهاجرون من مشكلات في أثناء عمليات التسلل، خصوصاً ما يهدد حياتهم.
ويمكن بسهولة ملاحظة اقتصار نوعية ولغة الأخبار المتداولة في هذا الشأن على "مصرع" أو "غرق" أو "اختناق" أعداد متفاوتة من المهاجرين القادمين من ليبيا وسورية خصوصاً. ذلك الإلحاح والتكرار يخلق عند المتلقي ارتباطاً شرطياً بين عمليات الهجرة والموت. على خلاف الصورة الذهنية المتواترة حول ارتباط الهجرة، شرعية أو غير شرعية، بحياة جديدة ومستقبل طموح. لكن، بحكم الأوضاع السيئة للغاية في الدول المصدرة للمهاجرين، لا تمثل فكرة اقتران الهجرة غير الشرعية بالموت رادعاً، ولا تصلح بالضرورة فزاعة تدفع من يفكر في الهجرة إلى التراجع. فيصبح الأكثر منطقية هو ارتباط تلك الحملة الإعلامية باستعداد بعض الدول الأوروبية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه المهاجرين. وهو ما بدأت إرهاصاته بالفعل قبل يومين، بإعلان سويسرا وإيطاليا وألمانيا تشكيل "قوة مشتركة"، لتتبع شبكات تهريب البشر وتفكيكها. وستبدأ القوة الجديدة عملها بالفعل في شهر سبتمبر/أيلول الذي يبدأ غداً. ووفقاً لما أعلنته المتحدثة باسم الشرطة الاتحادية في سويسرا، فإن الخطوة كانت محل بحث وتحضير من الدول الثلاث في الأشهر الماضية.
تدخل الهجرة إلى أوروبا مرحلة جديدة مختلفة، وتشكيل قوة ثلاثية ليس سوى بداية خطوات أخرى، قد تشمل ما دعت إليه دول أوروبية قبل بضعة أشهر، طالبت بمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية بالقوة، وتكوين قوة بحرية لرصد زوارق المهاجرين في عرض البحر وإعادتهم إلى بلدانهم. ما أغفله الإعلام الغربي أن ثمة تناقضاً أوروبياً صارخاً بين استخدام للقوة واستئساد على هاربين من الموت والدمار في بلدانهم، في مقابل تغافل وصمت مخز تجاه حكومات وقوى محلية وإقليمية هي المتسببة في ذلك الدمار.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.