شيء من الخوف

شيء من الخوف

08 يوليو 2015
+ الخط -

توضح دراسات نفسية أن من علامات تعرّض الإنسان للخوف الشديد أن يُصاب بضعف قواه العقلية، إلى حد يصبح فيه غير قادر على التمييز بوضوح مع عدم القدرة على معرفة الصواب من الخطأ. بل وقد يفعل أفعالاً مخالفة للعقل، إضافة إلى فقدان الحنان والعاطفة، مصداقاً لقوله تعالى عن أهوال يوم القيامة "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى". وهذا ما سجلته بعض الحوادث بالفعل في أثناء العدوان على غزة الذي تمر هذه الأيام ذكراه الأولى. ولا أظن أن أحداً من أهل غزة نسي ما مر به من أهوال، أقلها ترقب الموت في كل لحظة، فإحدى الأمهات التي خرجت من بيتها فراراً من القصف العشوائي في منطقة الشجاعية التي شهدت أعنف مجزرة بشرية، كانت تحمل طفلتها بين يديها، لكنها، من شدة الخوف والرعب، فقدت القدرة على التصرف، فألقت بها على قارعة الطريق، واستمرت في الركض لا تلوي على شيء، وأحسبها كانت تجري نحو المجهول، فهي لا تدري لها وجهةً، ولا هدفاً، وكان محتملاً أن تهلك الطفلة، لولا أن سائقاً شهد الواقعة أنقذها.

وروت إحدى الأمهات حادثة إخلائها شقتها في بناية سكنية، حين طلب منهم إخلاء البرج السكني الضخم تمهيداً لقصفه، فتقول تلك الأم "لم أضع غطاءً على رأسي، ونزلت أركض على الدرج من الطابق السادس، بملابس البيت، وحين أصبحت في الشارع، نظرت إلى ما أحمله بين يدي، وأنا أعتقد أنني حملت طفلتي الرضيعة، بعد أن انتزعتها من مهدها. وإذا بي أحمل بين يدي كومة من الأحذية المنزلية، كانت أمام باب الشقة من الداخل، فحملتها وهرعت بها. ولولا مساعدة الجيران، وعودتهم سريعاً لإخلاء طفلتي لفقدتها، كما فقدت عقلي في لحظات خوف، لم تمر بي طول حياتي".

ومن الحوادث المؤلمة التي فقد فيها أحد الأبناء عقله، ولم يعرف كيف يتصرف أمام اشتعال النيران بأمه، بعد انفجار "البابور" بين يديها، حيث عادت النساء في غزة لاستخدامه، بسبب شح غاز الطبخ، أن هذا الابن أراد إطفاء النيران المشتعلة بجسد أمه، وبدلاً من أن يسكب الماء فوق الجسد المشتعل، سكب فوق جسدها عبوة مليئة بالكاز الذي كانت تسكبه الأم في مخزن البابور لكي يشتعل. توفيت الأم متأثرة بحروقها، وبقي الابن فاقداً النطق شهوراً بسبب صدمته من فعلته.

أطرف المواقف التي مرت بي، وبسبب شعوري بالخوف على أولادي، وفقدي قدرتي على التصرف والتفكير، في أحد أيام القصف والموت في أثناء العدوان على غزة، وحين تعرض المسجد القريب من البيت للقصف، وكان ولداي قد توجها لأداء صلاة الجمعة فيه، وحين سمعت صوت الانفجارات أسرعت ودلفت من باب الحمام، معتقدة أنه باب الخروج من البيت. وتوقفت لحظات، أنظر حولي، حتى استوعبت الأمر، فقفلت مسرعة نحو باب البيت بملابس البيت، أيضاً، وحافية القدمين، ولم يتوقف أولادي عن التندر بهذه الحادثة، بعد مرور عام عليها.

وربما المزية الوحيدة للشعور بالخوف واقتراب الموت أن هذه اللحظات قد تكشف الوجه الحقيقي الذي يريد المرء إخفاءه، مثلما يحدث في برنامج المقالب (رامز واكل الجو)، والذي يلقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً هذه الأيام، حيث يستمتع المشاهدون العرب بمظاهر رعب تصيب نجومهم المفضلين. ولو تغاضينا عن كل ما قيل بشأن تلفيق المشاهد والاتفاق مع المشاهير ودفع مبالغ طائلة لهم، فتعرض المشاهير للخوف كشف أخلاقهم الحقيقية، من خلال تلفظهم بألفاظ بذيئة وسوقية، لكن الفضيحة الكبرى حين تم تدبير المقلب مع الممثلة الشهيرة، باريس هيلتون، والتي صرحت بعد تعرضها للهلع داخل طائرة أوهمت أنها ستسقط من علو: عرفت، الآن، لماذا يقتل العرب بعضهم بعضاً؟

 

 

 

 

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.