أيام تركيا الصعبة

أيام تركيا الصعبة

01 اغسطس 2015
+ الخط -
كان متوقعاً، في نهاية المطاف، أن تتأثر تركيا بالوضع السوري عسكرياً، لا سياسياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً فحسب. كان متوقعاً أن السلطات التركية ستُحرّك قطعاتها الأمنية أكثر من مجرّد دورية ليلية اعتيادية، غير أن ما لم يكن متوقعاً اعتماد الأتراك خطة هجومية شاملة، تقضي بضرب حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و"الجبهة الشعبية الثورية" في آنٍ معاً. ويُظهر سير العمليات، تحديداً في الداخل، مدى قدرة الاستخبارات التركية، بقيادة حاقان فيدان، على تأمين بيانات شخصية للمنتسبين للفئات الثلاث، خصوصاً بعد أن تخطى عدد الموقوفين الألف شخص، حتى اليوم، منذ بدء العمليات العسكرية للجيش التركي في سورية والعراق. 

لكن، الأمور ليست إيجابية دائماً بالنسبة للأتراك، فحرب العصابات التي يخوضها "العمال" ضدّهم، من شأنها أن تستولد مستنقعاً شبيهاً بمرحلة ما بين عامي 1984 و2012، قد يُسبب مشكلات كثيرة لتركيا. ويبدو "العمال" مستعداً لحرب بلا هوادة، من دون السؤال عن زعيمه التاريخي، عبد الله أوجلان، الذي ساهم، من زنزانته في سجن إيمرلي، بوضع ورقة "عملية السلام" بين "العمال" والحكومة التركية. وما إعلان "العمال" أن "عملية السلام انتهت" سوى إعلان غير مباشر لانتهاء زعامة أوجلان للحزب. وسيؤدي ذلك إلى إفراز "زعيم" جديد، بناءً على معطيات العمليات الجارية بين جبل قنديل والحدود السورية ـ التركية.
وسيُصار، في مرحلة لاحقة، إلى استغلال اسم أوجلان، خصوصاً بين "العمال" وقواعده، وفي البيئة الكردية، للبناء عليه، من أجل تحفيز العصب الكردي في مواجهة أنقرة. ومن الطبيعي، في هذا السياق، أن تُدرَج "مظلومية" رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، أيضاً، بعد الإعلان عن احتمال سجنه 24 عاماً، بتهمة "التسبب باضطرابات في النظام العام والتحريض على العنف"، في قضية تعود إلى الخريف الماضي. سيتحوّل دميرتاش إلى أوجلان آخر، مع ما يعنيه ذلك من تجدّد الصراع مع تركيا، وتأثيراته على دول الجوار وأقاليمه، ككردستان العراق الذي سيتأثر ضخه النفط عبر مرفأ جيهان من حقول كركوك وأربيل والسليمانية، سلباً.
على أن أكثر السيناريوهات سوداوية في المعركة مع "العمال"، قد تكون تلك التي تُبرز احتمال "عدم حسم الجيش وقوى الأمن التركية العمليات العسكرية"، ما قد يُشرّع الأبواب أمام توسّع الاضطرابات الداخلية. وبدلاً من أن تكون تركيا "صانعة الحلّ"، تُصبح في "قلب النزاع". ما جعل حكومة تصريف الأعمال، بقيادة أحمد داود أوغلو، تجهد في سبيل تأمين الدعم الدولي لحراكها الذي لن يتخطى إطار "التشجيع المعنوي".
أما في شأن العمليات ضد "داعش" فأمر آخر. يشكل التنظيم خطراً مرحلياً على تركيا، مثل باقي دول المنطقة. وسيتقدم دوره أو يتراجع، وفقاً لسير العمليات الغربية ضده، فعمليات التحالف الدولي، على الرغم من عدم نجاعتها حتى الآن، فإنها تُظهر، أقلّه شكلياً، نية العالم الغربي على محاربة التنظيم. تركيا تعلم ذلك، وتعلم أن جزءاً من مقاتلة "داعش" يكمن في إنشاء "المنطقة الخالية" في الشمال السوري. ليس الأمر صعباً متى توفر "الحليف المحلي" في تلك المنطقة. أما "الجبهة الشعبية الثورية" فغير قادرة على قلب الموازين السياسية في أنقرة واسطنبول، بل قد تُفَسَّر العمليات ضدها على أساس "قمع فكرة استغلالها أي وضع قد ينشأ ميدانياً".
قليلاً، وتجد تركيا نفسها وحيدة في مواجهة حزب "العمال"، من دون دعم ميداني من حلف شمال الأطلسي الذي اكتفى بتقديم "دعمه المعنوي"، ومشيداً، في الوقت نفسه، على لسان أمينه العام ينس شتولتنبرغ بـ"الجيش التركي القوي". الأطلسي لن يتحرّك أكثر من ذلك. لم يفعلها كثيراً في السابق، فالهدف من وجوده تخطى "إطار حماية الدول الأعضاء" إلى "البقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة الخطر الآتي من الشرق"، أي روسيا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".