تمهيداً للاتفاق النووي

تمهيداً للاتفاق النووي

27 مايو 2015
+ الخط -
يبدو أن الإدارة الأميركية حسمت الرأي بشأن توقيع الإتفاق النووي الإيراني، ويبدو كذلك أنها قاب قوسين أو أدنى من تحصين نفسها أمام الكونغرس، فيما يخص هذا القرار، فماذا فعلت من أجل هذا كله، وكيف ستدير هذا الملف الشائك بأمان؟

لا يمكننا فهم حالة تطور سياق الوضع الميداني في المنطقة، وتحديدا سورية والعراق، وفيما يخص تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل المسلحة السورية، بعيداً عن مسار اللعبة السياسية وأطرافها، أو أن نغفل حدثاً مهماً واستحقاقا كبيراً، كالاتفاق المزمع عقده بعد أكثر من شهر تقريباً.

تقول الأخبار الآتية من العراق إن تنظيم الدولة سيطر على الرمادي، بصورة دراماتيكية لا تقل عمّا حدث في الموصل قبل سنة، وبهذه الخطوة، يكون التنظيم قد امتلك نحو 40% من مساحة العراق، ناهيك عن أنه جعل غرب العراق تقريباً بيده. ويأتي هذا الهجوم في ظل تراجع الدور الإيراني في مواجهة التنظيم، بسبب خلافات مع الجانب العراقي، وبقاء الوحدات العسكرية العراقية مع ميليشيات الحشد الشعبي وحدها من دون غطاء جوي تحالفي قوي، كما كان في معركة تكريت قبل مدة قريبة. وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن الحديث عن زوال التنظيم قريباً، أصبح حلماً وردياً لكل الفرقاء والمتحالفين، على حد سواء. 

وغير بعيد عن العراق، وتحديداً سورية، نرى أن الموقف لا يقل تأزماً وغرابة، فداعش استعادت عافيتها بعد فترة من البيات الشتوي، سببه تركز ضربات التحالف على عاصمتهم الرقة، فها هي تحسم معركة جسر الشغور، لتعلن خروج الشمال كاملاً تقريباً من النظام السوري، ووقوعه تحت يدها. أما الجنوب فقد أصبح وضع النظام السوري فيه معقداً، خصوصاً مع إئتلاف فصائل المعارضة السورية الجديد، ونجاحها في كسب معارك مهمة هناك، وليس الغرب أقل خسارة للنظام، فهاهو يئن تحت ضربات المعارضة في القلمون.

لا تقودنا هذه التطورات، أبداً، إلى ما يذهب إليه طيف واسع من المثقفين والسياسيين أن "مؤامرة" تقودها أميركا بالتوافق مع تنظيم الدولة الاسلامية في المنطقة، لخلط الأوراق فيها، بل ما يحدث، الآن، على الأرض يدلنا على "براغماتية" الإدارة الأميركية في التعامل مع مستجدات الوضع الإقليمي، والاستفادة منه بالقدر الممكن، وينبئنا أن قدرة التنظيم العسكرية والتكتيكية ليست كما نتوقع، وما هذا التلكؤ وعدم الجدية في محاربة التنظيم إلا مسعى منها لإدارة الصراع والحرص على توازناته.

ثمة ارتباط وثيق بين ما يحصل آنياً على الأرض وموعد توقيع الإتفاق النووي، وأن الإدارة الأميركية تسعى جاهدة إلى إيصال رسائل مختلفة للاعبين الإقليميين، تحض بعضهم على الموافقة عليه، وتبرر مدافعة للآخرين، وأقصد تحديداً إيران والسعودية على الترتيب .
فيما يخص ايران، تدرك الولايات المتحدة أهمية دخول أجواء الاتفاق منتصرة، وإن لم يكن انتصارا، فخسائر الطرف الإيراني في المنطقة تعطيها الأفضلية، لكسب أكبر قدر ممكن من التنازلات الإيرانية للصفقة، وفي مقدمتها القبول بالتخلي عن شخص الأسد مبدئياً بعد فترة، وسحب العناصر الإيرانية من معركة العراق، وتقليلهم إلى مستوى غير مؤثر في سورية بعض الوقت، وهذا يعني جزماً إعطاء الإدارة الأميركية اليد الطولى في صياغة نص للاتفاق أكثر "إذلاﻻ" لإيران، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية .

وفي معرض دفاعها عن الاتفاق أمام السعودية، تسوق الولايات المتحدة الوضع الراهن دليلاً على نيتها حض الإيرانيين على إعلان الطلاق البائن بينهم وبين النظام السوري، فالثقل الإيراني في سورية، لم يعد كما كان سابقاً، بل على العكس، لم يعد له هذا التأثير على كفة الصراع، والتقدم الحاصل للمعارضة على الأرض السورية خطوة مهمة في تصفية الأسد سياسياً بعد تخلي حلفائه عنه، ناهيك عن ضغوطها على حكومة العبادي في العراق، لتوسيع إطار مشاركة السنة في العملية السياسية، وتسليح العشائر لمقاتلة تنظيم الدولة الاسلامية هناك. وبذلك، لا تكتفي أميركا بطمأنة السعوديين فقط، بل إنها تضع الكرة في ملعبهم، للعب دور أكبر في العراق وسورية، فيما يخص الوصول إلى حل سياسي، ينهي حالة الفوضى التي أحدثها تنظيم الدولة الاسلامية.

الرسالة الثالثة موجهة إلى إسرائيل، ومفادها تطمين نيتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة أن هذا الاتفاق لن يؤثر على وجود إسرائيل، فبه ضمنت الولايات المتحدة، ولو على المدى القريب، عدم قدرة الإيرانيين على تطوير سلاح نووي، يخل بالتفوق الإسرائيلي، وما حالة التناحر البيني التي يعيشها الإقليم إلا فرصة يجب اغتنامها لتأخير حل ملف القضية الفلسطينية بشكل عادل .
يدرك جميعنا أن الولايات المتحدة لا تملك الرغبة الحقيقية لإنهاء الصراع في المنطقة، وجميعنا يعلم أيضاً حجم الإستفادة السياسية والإقتصادية لها من الوضع الراهن، فهل سيشكل الإتفاق النووي، وما يليه من علاقة جيدة للإيرانيين مع الغرب نقطة تحول في السياسة الرسمية العربية، أم أن سياسة قتل الثور الأبيض والتبعية ستستمر.
 
avata
avata
أشرف ريحان (الأردن)
أشرف ريحان (الأردن)