أحداث "شارلي إيبدو" وسوق الكتاب

أحداث "شارلي إيبدو" وسوق الكتاب

16 مايو 2015

من تظاهرات الاحتجاج على هجوم شارلي إيبدو (14فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
نشرت يومية "لوموند" الفرنسية، يوم 13 مايو/أيار الجاري، مقالة، نعتمد عليها هنا، تقول إن ما بعد أحداث "شارلي إيبدو" أصبح أيضاً ظاهرة من حيث النشر مع صدور، بعد أربعة أشهر من الاعتداء على الصحيفة التهكمية، ما لا يقل عن 15 كتاباً في فرنسا على صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الأحداث. ومنها الكتب التالية، والتي رَتبتُها حسب تاريخ نشرها، بالعودة إلى مواقع دور النشر على الإنترنت: "نحن كلنا شارلي" – مجموعة نصوص (ليفر دو بوش)، عبد الماليك "ساحة الجمهورية" (دار أنديجان،)، عبد النور بيدار "مرافعة من أجل الحرية" (دار ألبان ميشال)، إدغار موران وباتريك سينغني "قبل، في أثناء وبعد 11 يناير" (دار لوب)، لوران جوفران "الاستيقاظ الفرنسي" (دار ستوك)، كارولين فورست "مديح التجديف" (دار غراسي)، إيمانويل تود "من هو شارلي؟ سوسيولوجية أزمة دينية"... وهي كتب متفاوتة المستوى والمحتوى، بال نظر لكتابها، فمنهم الجامعيون، والصحافيون والفنانون.
قبل التطرق إلى ما ورد في مقالة "لوموند"، تجدر الإشارة إلى أن كتاب الباحث الجامعي الفرنسي، إيمانويل تود، حالة استثنائية، لأنه دراسة نقدية لما بعد أحداث "شارلي إيبدو" وللمسيرات الضخمة التي شهدها فرنسا في 11 يناير/كانون الثاني 2015. فهو أول من ينتقد هذه المسيرات ومغازيها. وأثار ويثير كتابه ردود فعل قوية في الوسط الإعلامي والمثقف وحتى السياسي، إلى درجة أن رئيس الحكومة، مانويل فالس، نشر مقالة في "لوموند" يرد فيها على تود وينتقد كتابه. ويمكن القول إن انعكاسات أحداث "شارلي إيبدو" على سوق الكتاب في فرنسا كانت على مرحلتين. تمثلت الأولى في الإقبال الكبير للفرنسيين، مباشرة بعد الاعتداء على هذه الصحيفة، على شراء الكتب الدينية، خصوصاً المتعلقة بالإسلام (القديمة والجديدة منها) بما فيها القرآن الكريم، وشراء كتب أخرى، مثل كتاب التسامح لفولتير. وعلقت حينها وسائل الإعلام الفرنسية (المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية) كثيراً على هذا الاهتمام المتجدد. أما المرحلة الثانية فتتمثل في الوقع الإعلامي الذي أحدثه كتاب تود، بمجرد صدوره، ما جدد النقاش حول هذه الأحداث، وأعطاه نفساً جديداً واتجاهاً مغايراً، كون هذا الكتاب يتميز عن تلك التي سبقته، كما قلنا، بنقده الأحداث والرواية (التحليلية) السائدة.
تذكر "لوموند" في مسحها هذا أنه يبدو أن دور النشر لم تتوقع الإقبال الكبير للقراء على الكتب بعد الاعتداء على "شارلي إيبدو"، مستدلة بتصريح أولي فيي نورا، المدير العام لدار غراسي، إحدى كبريات دور النشر الباريسية، الذي يقر بمفاجأته من رد فعل القراء، لأنه كان يتوقع أن يتوجه القراء في مثل هذه الأحداث إلى الصحافة والإنترنت، لكن ما حدث هو العكس، حيث ارتفعت مبيعات الكتب.
وتورد "لوموند" أن دور النشر التي تم الاتصال بها تقر كلها بأن الكتب ذات الصلة بالأحداث تحقق مبيعات جيدة، كما حال كتاب إدغار موران وباتريك سينغني "قبل، أثناء وبعد 11 يناير". ويقول أحد مسؤولي هذه الدار أنه بيع إلى حد الآن 4500 نسخة من الكتاب، وقد تصل مبيعاته إلى 10 آلاف نسخة. وهو رقم جيد، يضيف المسؤول نفسه، ذلك أن الكتب من هذه النوع يكون له تأثير، من حيث انتشار أفكارها، لما تتراوح مبيعاتها بين 1500 و3000 نسخة. أما أوليفيي (دار غراسي)، فيقول إن كتاب كارولين فورست "مديح التجديف"، بيعت منه، إلى حد الآن، 11 ألف نسخة، وسيدخل بداية من الأسبوع المقبل قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.
وحسب "لوموند" فإن الظاهرة ربما تفسر أيضاً برد فعل دور النشر السريع التي شارك بعضها في هذه الحركة. فكتاب الجيب (من الحجم الصغير – اعتادت دور النشر الفرنسية على إصدار كتبها في طبعة جديدة صغيرة الحجم وبسعر أقل، حتى تزيد حجم مبيعاتها) "نحن كلنا شارلي"، وهو (60 نصاً)، كان بالنسبة لدار النشر تعبيراً عن إرادتها على التفاعل الفوري مع الأحداث، تقول المسؤولة عن الإعلام لدى هذه الدار. أما دار ألبان ميشال فأرادت، هي الأخرى، أن تتفاعل مع الأحداث وبسرعة. لذا، نشرت في 18 فبراير/شباط كتاب عبد النور بيدار "مرافعة من أجل الحرية". وهي حالة غير معتادة، لأن الدار نادراً ما تصدر كتباً بهذه السرعة، يقول أحد مسؤوليها، لأن ذلك يُحدث اضطراباً في الشبكة التجارية، لكنها اعتبرت أن الأحداث تستحق ذلك، وأنه في وسعها إصدار الكتاب في غضون خمسة أسابيع.
بيد أن كل دور النشر لم تختر هذا التفاعل الفوري مع الأحداث، تقول "لوموند" مشيرة إلى حالة دار لاديكوفارت التي فضلت التريث، ولم تصدر إلا كتاب إيدوي بلينال "لأجل المسلمين" في طبعة جديدة (الطبعة الأولى صدرت في سبتمبر/أيلول 2014). ويقول مديرها، فرنس واجاز، إن داره لم ترغب في إصدار كتب مباشرة بعد الأحداث، لأن أشياء كثيرة قيلت، وكتب كثيرة صدرت عن الموضوع، وأنها تبحث عن كتبٍ تسمح بفهم هذه الأحداث، من دون أن تكون مرتبطة بالمستجدات.
ويتفق أصحاب دور النشر على أن هذه الأحداث والكتب التي نُشرت حولها أعطت نفساً جديداً وقوياً للنقاش عموماً في فرنسا حول بعض القضايا والمفاهيم، مثل العلمانية، ويتوقع بعضهم أن يصل عدد الكتب ذات الصلة بأحداث "شارلي إيبدو" إلى حوالي 50 كتاباً في 2015، تختتم "لوموند" مقالتها.
أعطى كتاب إيمان ويل تود الذي يتميز عن بقية الكتب بدراسته النقدية للأحداث نفساً قوياً لهذه الحركة النشرية. ففضلاً عن التغطية الإعلامية التي حظي بها، على الرغم من خروجه عن القراءة "السائدة" لهذه الأحداث، إلا أنه لقي هو الآخر رواجاً في الأسواق. وقد زُرت عدة مكتبات في الحي اللاتيني (الدائرة الخامسة) أين توجد أعلى كثافة مكتبية في العاصمة الفرنسية، ولاحظت أنه غير متوفر في كل المكتبات، لأنه نفد، وعلمت أن دار النشر (ساي) بصدد طبعه مجددا.