المواطن "عربي"

المواطن "عربي"

14 أكتوبر 2015

"المواطن مصري".. فيلم عن رواية "الحرب في بر مصر"

+ الخط -

يمكن القول، حقيقة وليس إجحافاً، إن الأدب العربي، والمصري خصوصاً، لم يقدما ما وجب تقديمه من إبداعات أدبية، ولا سيما في الرواية، عن انتصارات حرب أكتوبر. وإذا لم يكن هناك رصد أدبي كثير لما تستحقه هذه الحرب، فهناك روايات قليلة تركت بصمة واضحة في عالم الرواية، منها "الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، والتي صدرت في 1978، وتحولت إلى الفيلم السينمائي "المواطن مصري" في 1991، وأدّى أدوار بطولته عمر الشريف وعزت العلايلي وخالد النبوي.

تبرز هذه الرواية التي حازت على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية دور الفقراء في صنع النصر غالباً، ففي إحدى قرى مصر، قبيل حرب 1973، يساوم عمدة القرية الخفير النظامي المتقاعد، لكي يرسل ابنه الوحيد إلى التجنيد، بدلاً من أصغر أبناء العمدة المدلل، ويعده بقطعة أرض صغيرة في مقابل هذا التزوير الذي يتواطأ فيه "المتعهد"، اليد الثالثة للعمدة الذي يجد حلاً لكل معضلة. وبالفعل، يذهب الشاب الصغير المتفوق إلى الجبهة، ليسقط شهيداً، بعد أن يعترف لزميله بهويته. وتلعب الأقدار لعبتها، حين يسترد العمدة الأرض، مع إلغاء قانون الإصلاح الزراعي، وتصل جثة الشاب "مصري" إلى القرية، فلا يستطيع الأب الفلاح أن يبوح بسرّه، ويدفن ابنه الوحيد على أنه ابن العمدة الذي يحصل على كل الامتيازات والتكريمات التي كان سينالها ابن الخفير، لو كان هناك شيء من العدالة، لكن العدالة تعني الاعتراف بالجريمة، كما يقول القعيد.

ما يوجع كل عربي حتى الآن هو ما تمناه وتوقعه الشاب "مصري"، وزميله في الجبهة، وهو أن كل رصاصة انطلقت نحو العدو في سيناء كان يجب أن تنطلق رصاصة في الجهة المقابلة نحو الفقر والظلم، فالفقراء هم من يكونون في مقدمة المواجهة، والانتصارات يجنيها الأثرياء على حسابهم، فالعمدة ظل يماطل الخفير الفقير على قطعة الأرض، والخفير ما كان ليوافق على استبدال أوراق ابنه الوحيد بأوراق ابن العمدة المدلل، لولا الفقر والحياة القاسية التي يعيشها مع خمس بنات، لكنه خسر ابنه، وخسر فرحته بشهادته من أجل وطنه، وخسر أن يكون لابنه قبر يزوره، ويجلس إلى جواره يحدّثه، ويخبره بكل ما يريد، ويصف له حال أمه الصابرة، فجثامين الشهداء وقبورهم غالية علينا، نحن العرب، لأنها آخر ما يتبقى لنا من أولادنا. لذلك، يعد مشهد وصول الجثمان إلى القرية من أكثر المشاهد تأثيراً في الرواية والفيلم، حيث جسّد عزت العلايلي مشهد الأب المكلوم الذي ينظر إلى جثمان ابنه في صمت، باقتدارٍ لخّص مأساة حقيقية.

تقايض إسرائيل مقابل رفات جندي منها حياة مئات منا، وهذا ما أكده أحد رجالات حرب أكتوبر بأنه تعرّض للمساومة من إسرائيل لتسليمها رفات أحد جنودها الذي قتل في حرب أكتوبر، ووصل مبلغ المساومة إلى 300 ألف دولار وقتها، لكنه رفض تماماً، وكان قد دفنه في الصحراء، حيث مات متأثراً بنزفه، بسبب بتر يده وحمل يده المبتورة إلى قائده. ولأن إسرائيل درست مشاعرنا جيداً، ما زالت حريصةً، وعلى مر تاريخ صراعنا معها، على احتجاز جثامين شهدائنا، كما يحدث الآن مع جثامين شهداء هبة القدس، وتؤكد أمهات الشهداء أن أولادهن يموتون مرتين، لحظة استشهادهم وحين تسليم جثامينهم إلى ذويهم.

بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، صيف العام الماضي، كان أحد الآباء الفقراء أيضاً يبكي فناء أفراد عائلته جميعاً، وعجزه عن العثور على أشلائهم، ليدفنها في قبر واحد، كما يحدث مع كل عائلات الثكالى، فتنازل له رب عائلة ثاكل مثله عن قبر أحد أولاده، لكي يعتبره قبراً لأعزائه، ويصبح آخر وأعز ما يملك.

 

 

 

 

 

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.