عودة الطفل الضال

عودة الطفل الضال

07 مايو 2014

تصوير: جون شولت

+ الخط -
في العاشرة مساء، كان هاتفي النقال يرن، على غير العادة في مثل هذا الوقت المتأخر في ليالي فصل الشتاء، حيث يعتاد الناس أن يخلدوا للنوم مبكرين. ولأن جميع من أعرفهم يحفظون جدولي اليومي، ويعرفون أني أخلد للنوم بعد أدائي صلاة العشاء مباشرة، فقد بدا هذا الرنين غريباً ومقلقاً.
ولإلحاحه المتواصل، التقطته بسرعة، ليصل إليّ صوت صديقتي، والتي يبعد منزلها عن منزلي مسافة شارعين رئيسين من شوارع مدينتي الصغيرة في جنوب غزة. جاءني صوتها ملهوفاً جزعاً، ومن دون تحية، أو مقدمة، وهي تقول: الحقيني يا أختي، ابني الصغير اختفى، فهو غير موجود في غرفة نومه مع إخوته.
طلبت منها التريث والصبر، وأنا أستوعب ما أسمع، وأحاول أن أطرد بقايا النوم من خلايا مخي، وأتخيل غرفة نوم صغارها، فهي تضع فيها صندوقاً كبيراً للملابس، وبضع حشيات اسفنجية بالية، تصفّها بجوار بعضها، لينام فوقها صغارها الأربعة.
قطعت تخيلاتي، وهي تعاود الصياح على الطرف الآخر من الهاتف، وتشرح: أردت أن أطمئن على الصغار قبل نومي، ناموا مبكراً كعادتهم، بسبب البرد وانقطاع الكهرباء المعتاد، حملت الشمعة بيدي، ووقفت على أطراف أصابعي في الجهة التي تقع فوق رؤوسهم، لئلا أزعجهم، وحين عددت الرؤوس، وجدتها ثلاثة، وليست أربعة. انخرطت في بكاءٍ، يقطع نياط القلب، وهي تردد أن هناك عفاريت، وأن البيت مسكون بالأشباح، وأنها طالما حثت زوجها على تركه، ولكن ضيق الحال يجبرهم على العيش في بيت عائلته القديم.
حاولت أن أهدئ من روعها، وبدأت أسألها عدة أسئلة، فيما التف أولادي حولي، وهم يستمعون لتحقيقاتي: هل تأكدت أن الباب الخارجي للبيت موصد، فأجابت، وهي تنشج: بالطبع، تأكدت، ونحن في الطابق الأرضي، بل في "البدروم"، ونضع سياجاً حديدياً حول النوافذ الضخمة، زيادة في الأمان، وفوقها طبقة من السلك الدقيق الفتحات، لمنع دخول البعوض، فقلت لها: معنى ذلك أن لا وسيلة لخروج الصغير من البيت.
 أجابتني وهي تبكي: لا ...لا ... الولد تبخر، اختطفته جنية بكل تأكيد، مستغلة وجودي وحيدة في البيت، فزوجي في نوبة عمله حارساً ليلياً.
زجرتها: كفّي عن هذا الخرافات، وسوف آتي لك حالاً، ثم سألتها عن موعد عودة الكهرباء في منطقتها، فأجابت إنها ستعود حسب الجدول المقرر خلال دقائق.
 فيما كنت أرتدي ملابسي، وأطلب من ابني أن يصحبني، وأنا أفكر بأمر اختفاء الطفل المريب، رن الهاتف ثانية، فرفعته بسرعة، وأنا أتوقع أخباراً سيئة عن الطفل، من قبيل أن الجنية اتصلت بصديقتي، وتطالبها بفدية. ولكن، جاءني صوت صديقتي، غارقة في الضحك، وقالت: عثرت على الولد.
جلست، وأنا ألهث، على الأريكة القريبة من باب الخروج في شقتي، وقلت لها: الحمد لله، وأين عثرت عليه؟
فأجابتني، وهي تواصل الضحك، بعد أن كانت، قبل دقائق، تبكي مثل أمينة رزق في الأفلام القديمة: انزلق جسم الصغير ليصبح تحت أقدام إخوته، ولم أره في الظلام الحالك، واكتفيت فقط بعد الرؤوس فوجدتها ثلاثة، ولم أفكر أن أبحث في الغرفة ثانية، وبدأت أبحث في أنحاء البيت الأخرى، غرفتي والمطبخ والحمام... 
قلت لها: وكيف عثرت عليه إذن؟
قالت: عادت الكهرباء الآن، وعدت إلى الغرفة، لأوقظ باقي الأولاد، وأسألهم عن أخيهم، بعد أن فقدت الأمل في العثور عليه وحدي، فوجدت جسده مكوراً، تحت أقدام إخوته.
فيما كانت تضحك، وتعتذر لي عن الإزعاج الذي سببته لي، انقطعت الكهرباء في منطقة سكني، حسب الجدول المقرر أيضاً، فعدت إلى سريري، ولكن، بعد أن تأكدت من عدد أولادي جيداً، فربما تقرر الجنية التي أخطأت بيت صديقتي زيارتي الليلة، مستغلة انقطاع الكهرباء.
 
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.