سورية تنزف لكنها ستنتصر

سورية تنزف لكنها ستنتصر

24 سبتمبر 2014
+ الخط -

ودعت الثورة السورية قادةً أبطالاً، شرّفهم الله تعالى بالشهادة، وكان في المقدمة الشيخ حسان عبود أبو عبد الله الحموي، أمير أحرار الشام، ومسؤول المكتب السياسي في الجبهة الإسلامية. لن أتحدث عن  الشيخ حسان، فسيرته العطرة غنية عن التعريف، يذكر زملاؤه في المدينة الجامعية في حلب عندما كان طالباً في كلية الآداب، قسم الأدب الإنجليزي، جرأته في قول الحق ورفض الظلم، في وقت لم يكن يجرؤ أحد في سورية على التفوه بكلمة. دفع ثمن دفاعه عن الحق ورفض الظلم أن سجن في صيدنايا ظلماً وعدواناً. لن أتحدث عن تواضعه، وحبه الجهاد وتوقه إلى الحرية، فذلك يعرفه السوريون، كما لن أتحدث عن أعمال حركة أحرار الشام البطولية، بدءاً من الأعمال الإنسانية، من إغاثة وتعليم وصحة وتوعية،  وليس انتهاءً بالأعمال العسكرية النوعية التي شملت أرجاء الوطن الحبيب، وأوجعت نظام الأسد وآلمته.

عندما سلك الثوار المجاهدون هذا الدرب، كانوا يعرفون أن الثمن غال، وكانوا يدركون أن الوصول إلى النصر لا بد أن يعبّد بدماء الشهداء الزكية، لذلك، كانوا على استعداد دائم للشهادة، فالشهادة مكرمة وشرف، لكن الهدف هو النصر والعيش بحرية وكرامة.

ولكن، السؤال الكبير الذي يؤلم السوريين، وتتفطر له قلوبهم، يعود، مع هذه الفاجعة، ليتكرر إلى متى نقدم قوافل الشهداء بالمجان؟ إلى متى نقدم أبطالنا هدية للأسد؟

ليس المقصود بالمجان أن دماءهم ذهبت هدراً، فهم شهداء يزفون إلى الجنة، وهم الطريق نحو النصر، ولكن، المقصود، هنا، وجوب اتّخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة التي تحفظ أرواح ثوارنا، ولا سيما القادة، فبالأمس القريب، خسرت الثورة عبد القادر صالح حجي مارع، نتيجة اختراق أمني، بسبب اللامبالاة وعدم الاكتراث بقدرة النظام الاستخباراية، واليوم، نخسر الشيخ حسان عبود وكوكبة طيبة من المجاهدين باختراق أمني آخر.

من الأخطاء الأمنية الكبيرة اجتماع هذا العدد الغفير من المجاهدين في مكان واحد، وخطأ آخر تمثل بعقد أكثر من اجتماع في هذا المقر (صفر)، وكأنها اجتماعات شبه دورية، ما جعل المكان هدفاً مرصوداً ومستهدفاً لأعداء الثورة، وسهل لهم لاحقاً الاختراق. والخطأ الثالث احتمال تسريب خبر هكذا اجتماعات، ولا سيما في ظل اجتماع هذا العدد الكبير، فزيادة عدد المجتمعين تزيد من احتمال تسرب خبر الاجتماع. والخطأ الرابع يتمثل بعدم تأمين حراسة أمنية محترفة لمثل هذه الاجتماعات، ليس لمكان الاجتماع فقط، بل للمحيط وللطريق، فينبغي رصد الطرقات، أياماً، قبل هذه الاجتماعات، واستشهاد حجي مارع سابقاً والشيخ حسان ورفاقه مثال واضح على هذا الخلل الأمني.

وتدور الشبهات وراء عملية استشهاد الشيخ حسان ورفاقه حول ثلاثة أطراف. نظام الأسد،  أكبر المستفيدين من اغتيال قادة الثورة، وهو المتهم الأول وراء كل عملية اغتيال أو قتل للثوار، ويرجح هذا الرأي استشهاد الغالبية نتيجة الاختناق، ما يعني أن العبوة الناسفة تحتوي على مواد كيماوية سامة ذات تأثير عال، وهذا يدلل على أصابع النظام، فهو صاحب خبرة بالسلاح الكيماوي والسام. الاستخبارات الغربية، تخوض حرباً كبيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتحشد لها العالم، وتشمل هذه الحرب كل القوى الجهادية السلفية، وكلنا يدرك أن حركة أحرار الشام، على الرغم من اعتدالها باتت تشكل رقماً صعباً في مسيرة الجهادية السلفية التي باتت ترعب الغرب وتخيفه، هذا الغرب الأعمى الذي لا يميز للأسف بين الجهاد والتطرف. تنظيم الدولة الإسلامية، يرجّح رأي ثالث أن تنظيم الدولة قام بالعملية عبر انتحاري، وأن طبيعة المكان المغلقة أدت إلى خسارة هذا العدد الكبير، فتنظيم الدولة الإسلامية يعد حركة أحرار الشام عدوه اللدود، ويسميهم على المنابر أشرار الشام، وأحرار الشام يشكلون الخطر الأكبر على تنظيم الدولة، لأنهم يمثلون السلفية المعتدلة التي يقبلها الشارع السوري، على عكس التطرف والتشدد الذي يمثله تنظيم الدولة. التطرف الذي لم يلاق في الشارع السوري إلا الرفض، ووجود السلفية المعتدلة تمثل العائق الأكبر في وجه تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، ولاسيما فكرياً، فهي تسحب من التنظيم الشرعية الجهادية، ولا سيما أن من يقود هذه السلفية المعتدلة سوريون، وإذا ثبت أن تنظيم الدولة الإسلامية وراء هذه العملية الجبانة، فإنه دق المسمار الأخير في نعشه، وبدأ العد التنازلي في الحاضنة الشعبية الضعيفة أصلاً.

أياً تكن الجهة المسؤولة عن العملية، فهي جهة معادية للثورة السورية ولإرادة السوريين وتطلعاتهم نحو الحرية، ولكن، يجب أن تدفع بالثوارَ للاستفادة من هذا الدرس المؤلم، ويجب أن تدفع بالثوار والمجاهدين لأمرين مهمين، بعد أخذ الاحتياطات الأمنية الشديدة: تجهيز الكوادر القادرة على سد الفراغ الذي تتركه القيادات التي تسبقها، فالثورة السورية ولّادة، وقادرة على رفد الثورة بالأبطال، وما يميز ثورتنا أنها كانت مصنعاً للأبطال والقادة على كافة الصعد.

العمل المؤسساتي: ينبغي أن تعتمد الثورة السورية على العمل المؤسساتي المنضبط المنظم، فالعمل المؤسساتي يقلل من خطر فقدان القادة، صحيح أن الخسارة مؤلمة، لكن المؤلم أكثر أن نستسلم ونستكين وننسى دماء الشهداء، وربما يخفف العمل المؤسساتي والتنظيم والانضباط الذي تتمتع به حركة أحرار الشام من حجم الفاجعة، وتعيين قيادات جديدة بهذه السرعة دليل على ذلك، فلو خسر فصيل آخر هذا العدد، لربما انهار فوراً.

كثرة الشهداء وفقدان هذا العدد من الشهداء، منذ بدء الثورة السورية، دليل على أنها ثورة شعب بأكمله، ودليل على أن الثورة ماضية نحو النصر، طال الزمن أو قصر، فالرحمة لشهدائنا، والنصر لثورتنا.

avata
avata
جلال زين الدين (سورية)
جلال زين الدين (سورية)