نانسي بيلوسي وقصيدتها الإسرائيلية

نانسي بيلوسي وقصيدتها الإسرائيلية

28 يونيو 2022

بيلوسي تحاور الصحفيين في مبنى الكونغرس بعد إلغاء حق المرأة في الإجهاض (24/6/2022/Getty)

+ الخط -

ليس الخبر، هذه المرّة، عن رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي (80 عاماً)، أنّ الشرطة أوقفت زوجَها لقيادته سيارته تحت تأثير الكحول، ثم خروجه بكفالةٍ مالية، ولا أنّ أنصار ترامب الذين استباحوا مبنى الكونغرس سرقوا حاسوبَها من مكتبها، ولا أنّها دفعت ابنتها الصغيرة بكوعها، في أثناء التقاط صورةٍ لها عند أدائها اليمين، لمّا تجدّدت رئاستها مجلس النواب في ولايةٍ رابعة، ولا أنّها تتجوّل في كييف وتلتقي هناك الرئيس زيلينسكي .. وإنّما الخبر أنّ الإيطالية الأرومة، الشخصية الثالثة في السلطة في الولايات المتحدة، تردّ في مبنى الكونغرس على قرار المحكمة العليا الأميركية، إلغاء حقّ الإجهاض، بقصيدة إسرائيلية، تشتهر أغنيةً ذائعةً في دولة الاحتلال، كتبها صاحبها، الشاعر إيهود مانور (توفي في 2005 عن 64 عاماً)، في أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان، في مثل هذه الأيام في 1982...

تقع في هذه الحادثة على فقرٍ في الثقافة الأميركية لدى السيدة بيلوسي، يجعلها تستنجد بأغنيةٍ في محبّة إسرائيل، فتخطُر إلى بالك قولة جو بايدن، غير المنسيّة، إبّان لم يكن رئيساً، إنّه ليس ضرورياً أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً. وزعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي منذ 20 عاماً، بيلوسي، ليست نصيرةً لإسرائيل وحسب، بل أيضا محاربة نشطة في الدفاع عن دولة الاحتلال وسمعتها، وعن وجوب "الدعم الباقي والمستمر" الأميركي، بتعبيرها، لإسرائيل. وليس منسياً ترؤسّها وفداً من الكونغرس إلى دولة الأبارتهايد، وقولها هناك إنّ "إقامة إسرائيل أعظم إنجاز سياسي في القرن العشرين" وشدّدت على تحالفٍ وصداقةٍ أبديين بين الولايات المتحدة والدولة العبرية. 
عندما تحبّ نانسي بيلوسي بلدها الولايات المتحدة، على الرغم من إلغاء المحكمة العليا فيها الحقّ الدستوري الذي يمنح المرأة حرية الإجهاض، فإنّها تستأنسُ بمحبّة الشاعر الغنائي والمذيع التلفزيوني (والمترجم الذي نقل "البؤساء" وغيرها إلى العبرية)، إيهود مانور، "بلده" إسرائيل، والذي يعدّون هناك مَغناتَه "ليس لديّ دولة أخرى" من عيون الأغنيات الوطنية. إنّه ينتقد دولتَه لكنّه يحبّها. لقي شقيق له، كان جندياً، مصرعه في حرب الاستنزاف في 1968 (فقد شقيقاً آخر بالانتحار)، لا بلد لإيهود مانور (شارع باسمه هناك) سوى إسرائيل. يقول في الأغنية، وهي واحدةٌ من نحو 1200 أغنية له: "هنا بيتي/ لن أصمت/ لقد غيّرت بلادي وجهها/ لن أتخلّى عنها/ ساذكرُها وأغنّي في أذنيها/ حتى تفتح عينيها". ثمّة شيءٌ من عدم الرضا عمّا يحدُث أن يفعله أهل الحكم والسياسة في إسرائيل، كما صنعوا لمّا اجتاح الجيش لبنان في 1982، غير أنّ هذا لا يعني أن يتخلّى عن حبّه إسرائيل، بلده الذي ليس له غيره. وهذه بيلوسي ترى حالَها كما حال هذا الشاعر الذي التقت أرملتَه في عشاءٍ ضمّهما على مائدة الرئيس الإسرائيلي، إسحق هيرتسوغ، في القدس المحتلة، في زيارة الإسناد القوي تلك، أياما بعد إشهار منظمة العفو الدولية إسرائيل دولة تمييزٍ عنصريٍّ مشهود. 
قال هيرتسوغ في ذلك العشاء إنّه نقل إلى بيلوسي القصيدة/ الأغنية، في العام 2016، وكانا يُغالبان بعض المشكلات السياسية (ليس صاحب هذه المقالة معنيّاً بالبحث فيها لمعرفتها). ومن فرط ولع ضيفتِه بما ترنّم به الشاعر من كلمات حبٍّ في "بلده" إسرائيل، لم تجد السيدة الأميركية الوازنة سوى تلك القصيدة تردّ بها على الهمج الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، انتصاراً منهم لغريمها الشهير، دونالد ترامب، عقب هزيمته من جو بايدن، في يناير/ كانون الثاني 2021، فضمّنتها في خطابٍ ألقته في حينه. حتى إذا استجدّ نزع المحكمة العليا حرّية الإجهاض من المرأة الأميركية، وجدنا بيلوسي لا تَلقى، في ردٍّ على أسئلة صحافيين لها في هذا الشأن، سوى محبّة إيهود مانور "بلده" إسرائيل، رغم كلّ شيء. 
الشاعر الأميركي الأشهر روبرت فروست (1874 – 1963) أحبّ بلاده، وكتب في محبّتها وإيثارِه قيمها. وكذا الشاعر ستانلي كيونتز، "شاعر البلاد" في لقب له، أحبّها، وعارض، كما نانسي بيلوسي حربَها على العراق، وكثيرون غيرهما انتقدوا سوءاتٍ في بلادهم أميركا، العظيمة، لكنّهم أحبّوها وطنا لهم، وتغنّوا بأحلامها. لكن أنّى لرئيسة النواب الأميركيين أن تعرَفهم، فالبؤس مقيمٌ في ثقافتها، عندما لا تعرف من الشعر والشعراء غير قصيدةٍ أخبرَها عنها مستوطنٌ إسرائيلي اسمُه إسحق هيرتسوغ .. ثم تستخدمها في الدفاع عن الإجهاض؟!

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.