مصر و"حماس" .. لا مفاجأة

مصر و"حماس" .. لا مفاجأة

22 مايو 2021
+ الخط -

"حماس سلمتنا عناصر إرهابية شاركت في أعمال إجرام في مصر، وأكثر من ذلك أغلقوا الأنفاق الكبيرة من جانبهم، وأزيدك من الشعر بيت، سلمونا سيارات الشرطة التي سرقوها في 2011. أكتر من كدة إيه؟" .. هذا جزء من سرد مفصل قدّمه الإعلامي المصري، أحمد موسى، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 لجمهوره، ليبرّر لهم التناقض بين وصفه مرارا "حماس" بالإرهاب واستقبال مصر وفد "حماس" برئاسة إسماعيل هنية، في إطار جهود المصالحة الوطنية. أسفر ذلك عن عقد حكومة رامي الحمدلله أول اجتماع لها في غزة، وتزامن ذلك مع احتفاء مصري غير مسبوق، حتى أن وفداً أمنياً وإعلامياً مصرياً زار القطاع، وقدّم عادل حمودة ولميس الحديدي وعمرو أديب برامجهم من غزة، حيث بث أديب لقاءً مع هنية، في أفضل تقديم لخط العلاقات الجديد مع "حماس" إلى الجمهور المصري... إذن، لا مفاجآت اليوم في 2021 من الموقف المصري نحو "حماس"، إلا لمن ما زال متكلساً عند مراحل سابقة.

حقا تدهورت العلاقات بشدة بعد عزل الرئيس محمد مرسي عام 2013، وشهدنا حملات أمنية وإعلامية، لكن التواصل استؤنف في مرحلة مبكرة جدا، منذ عام 2014، بل إن الحكومة المصرية نفسها هي من قدّمت الطعن ضد حكم صادر من محكمة مصرية عام 2015، بإدراج "حماس" جماعة إرهابية، وتم إلغاء الحكم خلال شهرين فقط!

تقدم التقارب في 2016، حتى أن القاهرة استقبلت موسى أبومرزوق، وأكد في حوار صحافي أن "العلاقة بين القاهرة وحماس في أفضل حال"، مؤكداً الاتهامات التي تم توجيهها سابقا للحركة "قد عفا عليها الزمن". ثم بدءا من 2017، دخل الطرفان في ما يمكن اعتباره تحالف قتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء وغزة، والذي كان عن حق عدواً مشتركاً شيطانياً ضد كليهما. وفي يونيو/ حزيران 2017، أعلنت داخلية غزة إنشاء منطقة عازلة بطول حدود القطاع مع مصر. وفي أغسطس/ آب من العام نفسه، قُتل أحد عناصر "حماس" في تفجير انتحاري ارتكبه داعشي كان يحاول عبور الحدود إلى مصر. وفي 2018، حيث شهدت غزة جولة تصعيد عسكري تمثل نموذجاً مصغراً للجولة التي استجدّت أخيرا، حيث قصفت إسرائيل غزة، ورشقت "حماس" إسرائيل بالصواريخ، بعد فشل عملية عسكرية برّية إسرائيلية مفاجئة في خان يونس. انتهت الجولة بالوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار بوساطة مصرية، تبعهتا زيارة وفد من المخابرات إلى القطاع، وظهرت حينها الصورة الشهيرة للواء أحمد عبدالخالق يقبل يد أحد أبناء شهداء حركة حماس، بعد مشاركته في حفل تأبين لهم.

خلال السنوات الأخيرة، تبادلت قيادات المخابرات المصرية وقيادات حركة حماس الزيارات مرات، شمل ذلك احتفاءً متبادلاً، وكذلك تنسيقاً في ملفي مواجهة ما سميت "صفقة القرن"، والمصالحة الفلسطينية. في 2019، تم استقبال إسماعيل هنية في مقر صحيفة المصري اليوم، حيث تحدّث مطولاً عن توافق تام مع مصر في رفض خطة ترامب الموهومة.

وقد بدا واضحاً في الآونة الأخيرة إن مصر الرسمية تتجاهل السلطة الفلسطينية ورئيسها أبومازن، بعد ظهور دوره المعرقل في ملف المصالحة، حتى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار في قطاع غزة تم من دون أي إشارة للسلطة الفلسطينية، كما أن قرار فتح معبر رفح من دون أجل مسمى، والذي صدر في فبراير/ شباط الماضي، لم يضع أي اشتراط لوجود مراقبين من السلطة أو دوليين... ومن المهم هنا الإشارة إلى موقف مؤسساتي مصري عابر للسلطات، فما زالت "هيئة الشؤون المعنوية" في الجيش المصري بعد 40 عاماً من اتفاقية السلام تشدّد على تعريف إسرائيل المجندين خطراً على الأمن القومي المصري.

هذا هو السياق الذي تأتي بعده دوافع سياسية راهنة مؤثرة، كرغبة مصر التلويح بأوراق قوتها، احتجاجاً على الموقف الدولي السلبي في أزمة سد النهضة، وكذلك على تجاهل الرئيس الأميركي بايدن منذ توليه ولايته الاتصال بالرئيس السيسي، إلى ما قبل يومين.

أسرف معارضون للنظام المصري في شيطنته، كما أسرف مؤيدون له في شيطنة "حماس"، وقد سدّوا العيون والآذان عن كل ما يناقض ثنائية الأبيض المطلق والأسود المطلق، ليقف كلاهما فجأة مصدوماً. من لا يرى واقعه لن ينجح أبداً في تغيير مستقبله.