مخاطر تعثر المفاوضات النووية

مخاطر تعثر المفاوضات النووية

15 فبراير 2021
+ الخط -

قبل إعلان فوزه برئاسة الولايات المتحدة، كان فريق بايدن الرئاسي وطهران يتبادلان رسائل وإشارات إيجابية، توحي بأن الملف النووي بانتظار اتفاق سريع وسهل، لا ينقصه سوى تأكيد فوز بايدن بالرئاسة. واستمرت هذه الروح الإيجابية الظاهرية، طوال فترة تشكيك ترامب في نتائج الانتخابات. بعد إعلان فوز بايدن بشكل نهائي، وتوليه الرئاسة رسمياً في 20 الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني)، تغيرت لهجة الرسائل والإشارات الصادرة من الجانبين ومضامينها. ليبدأ كل منهما في استبدال التحدّي بالمغازلة والتشدد بالتودد. ودخل الطرفان في لعبة عض أصابع، عبر تصريحات وبيانات رسمية من المسؤولين هنا وهناك. حتى هنا، يبدو الأمر طبيعياً من منظور أصول التفاوض والترتيب المنطقي للمواقف. غير أن ذلك المشهد ليس كل الحقيقة، فقد كشفت أنباء، سرّبها الإعلام الإسرائيلي، أن المفاوضات بين طهران وواشنطن بدأت بالفعل، وأن المباحثات بينهما جارية منذ أسابيع، من قبل تولي بايدن رسمياً. وأطلعت واشنطن تل أبيب على محتوى تلك المباحثات. وبعد تولي جو بايدن بأيام قليلة، دعت طهران الأوروبيين إلى الوساطة، وبادرت باريس بعرض الاضطلاع بهذه الوساطة.
وفجأةً توقفت تلك البوادر الإيجابية، وتحول الموقف إلى النقيض، فتغيرت اللهجة الإيرانية، وامتلأت بالتحدّي للجانبين، الأميركي والأوروبي، معاً، إلى حد الجمع بينهما في الخطاب الرسمي للمسؤولين الإيرانيين، وهي سابقةٌ لم تحدث منذ أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي قبل عامين. حينها اتهمت طهران أوروبا بالخذلان والضعف أمام واشنطن. لكن وقتئذ كان السبب قوياً، إذ لم تنجح جهود الأوروبيين في ثني ترامب عن قراره، ولم تتمكّن أوروبا من تعويض إيران عن التداعيات السلبية للعقوبات الأميركية.
ملمح آخر يكشف حقيقة ما يجري بين واشنطن وطهران أخيرا، فقد رفعت إيران نسبة إثراء (تخصيب) اليورانيوم إلى ما فوق 20%. في خطوةٍ يمكن اعتبارها استفزازية، ليس للأميركيين وحدهم، ولكن للأوروبيين أيضاً. بينما اكتشفت بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية آثاراً إشعاعية في موقعين إيرانيين، في إشارة إلى أنشطةٍ نوويةٍ ربما تنتهك القواعد والضوابط المقرّرة للأبحاث والبرامج النووية السلمية.
صاحَب هذه التطورات التي تبدو مفاجئة تصاعدٌ في حدّة الخطاب الرسمي، الإيراني والأميركي على حد سواء. بل ودخل الثلاثي الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) على خط التصعيد الكلامي مع إيران. في أجواء تبدو مخالفة تماماً لتلك الإيجابية التي سادت مرحلة ما قبل دخول بايدن البيت الأبيض... ولكن ينبغي هنا التصحيح، فتلك الأجواء الإيجابية تزامنت مع مفاوضات بين واشنطن وطهران، كشفت عنها تل أبيب.
ولأن شيئاً لم يعلن عن تلك المفاوضات من الطرفين الأصليين (طهران وواشنطن)، فالتفسير الوحيد المنطقي للانقلاب في تفاعلات الملف والعاصفة التي هبت فجأة عليه، أن تلك المفاوضات لم تنجح في بلورة تفاهم جدّي بين الطرفين. ومما يؤكد هذه الرؤية ما صدر عن مسؤولي الجانبين، قبل أيام قليلة، بشكل شبه متزامن، عن ترتيب الأولويات بين رفع العقوبات أو العودة إلى الاتفاق النووي، ففجأة ومن دون مبرّر واضح، أعلنت إدارة بايدن أنها لن ترفع العقوبات قبل عودة إيران إلى الالتزام بواجباتها النووية المقرّرة في الاتفاق. وردّت طهران سريعاً بأن رفع مستوى أنشطتها النووية جاء ردّاً على انسحاب واشنطن من الاتفاق، وفرض عقوبات. وعلى واشنطن رفع العقوبات أولاً، والعودة إلى الاتفاق، قبل أن تستأنف هي (إيران) الوفاء بالتزاماتها.
تلك المساجلة معتادة بين إيران والولايات المتحدة. لكن توقيتها هذه المرّة شديد الحساسية، إذ هناك خشية حقيقية من امتلاك إيران رؤوسا نووية خلال شهور قليلة. لذا، فإن عضّ الأصابع بينهما حالياً، ليس، بالمرّة، الخيار الأفضل للاستقرار والأمن في المنطقة، وربما العالم.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.