ليبيا بلا انتخابات

ليبيا بلا انتخابات

27 ديسمبر 2021
+ الخط -

تأجلت الانتخابات، وأصبحت الخطوة المقبلة في مجريات الأزمة الليبية مفتوحة على كل الاحتمالات، بعد انكشاف أن قبول الفرقاء الاحتكام إلى الانتخابات لم يكن بغرض تسوية الخلافات، ولا الدخول بليبيا إلى مرحلة انتقالية حقيقية نحو بناء الدولة وإقامة حياة ديمقراطية، وإنما نتيجة عجز كل الأطراف الداخلية والخارجية عن فرض إرادتها منفردة، أو بسط هيمنتها على الساحة الليبية وحسم الوضع بنصر عسكري. اضطرت كل الأطراف إلى اللقاء والجلوس معاً في مؤتمري برلين 1 و2، وإجراء مفاوضات سياسية استمرت ما يقرب من عام. غير أن المواقف الحقيقية ظلت من دون تغيير، فجرت تحضيرات العملية السياسية وترتيبات إجراء الانتخابات، من باب التظاهر بتأييد الحل السياسي، وليس لقبوله فعلياً. لذا توالت بوادر تعثّر العملية الانتخابية مبكّراً، بالخلاف بشأن القوانين المنظمة للتصويت وتوزيع الدوائر الانتخابية. وغير ذلك من إشاراتٍ كانت تؤكّد أن الانتخابات غير قابلة للإجراء عملياً، في ظل المعطيات الحالية التي تتضمّن مواقف متعارضة وحسابات متناقضة للأطراف القادرة على التأثير في الوضع في ليبيا.
كانت أهم الإشارات إلى صعوبة إجراء الانتخابات تبدّل قوائم المرشحين بين ساعة وأخرى، خصوصاً الأبرز منهم على الساحة، اللواء خليفة حفتر ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وسيف الإسلام القذافي، فقد قوبل ترشّح كل منهم بعراقيل سياسية ومطبّات قانونية، فصدرت ضدهم أحكام ببطلان الترشّح ثم أحكام أخرى بجوازه. وتوالت الطعون في تلك الأحكام سواء في المنع أو الإجازة. وانعكس هذا الوضع الملتبس بوضوح في مشهد تأجيل الانتخابات، حيث تجنّبت كل القوى الليبية والمؤسسات الممثلة لها تحمّل مسؤولية طلب التأجيل، ففي 11 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تأجيل إصدار قائمة المرشّحين النهائية، وهو إجراءٌ جوهريٌّ وبدهي في العملية الانتخابية. ومع غياب قائمة رسمية نهائية بالمرشّحين، رمى رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الكرة في ملعب مجلس النواب، قائلاً إن من حقّ المجلس تأجيل العملية الانتخابية، فأكد أحد أعضاء مجلس النواب أن البرلمان لن يؤجّل الانتخابات قبل موعدها. وإنما سيجتمع بعد 24 ديسمبر/ كانون الأول ليقرّر عدم التمكّن من إجراء انتخابات.
ليست الأطراف كلها مسؤولةً عن التأجيل، فبعضها فقط تفيد حساباته بأن إجراء الانتخابات حالياً لا يصبّ في صالحها، خصوصاً في ظل القوانين والقواعد المنظّمة للانتخابات بمختلف أوجهها، تحديداً فيما يتعلق بشروط السماح أو المنع من الترشّح ومعاييرهما. ولكن الفراغ الأمني، أو بالأحرى التوازن الأمني الهش القائم في ليبيا، حال دون تمكّن الأطراف الأكثر ثقةً وطمأنينةً إلى الانتخابات من فرض إجرائها. ولكن في بلدٍ مثل ليبيا، الأمر أعقد من ذلك، فوصول هذا المرشّح أو ذاك إلى الرئاسة لا يمثل كارثةً بذاته، لكنه يحمل مخاطرة بتجيير سلطاته واستخدام صلاحياته الرئاسية في احتكار السلطة والتدخل في بقية أوجه المرحلة الانتقالية. وهو المحتمل بشدّة في ظل عدم وجود دستور، بينما المفترض أن ذلك الرئيس المحتمل هو الذي سيدير عملية إعداد الدستور وينظمها. بل وسيشرف قبلها على الانتخابات البرلمانية المقرّر لها أن تُجرى بعد انتخابات الرئاسة بشهر.
المشكلة إذاً ليست في العملية الانتخابية بحد ذاتها، وإنما في ما ستفضي إليه الانتخابات من تأسيس لوضع جديد، لن يكون مُريحاً لبعض الأطراف الليبية والخارجية. وفي ظل اكتساب هذا الوضع الجديد حُجّية قانونية استناداً إلى عملية التصويت، وشرعيةً واقعيةً مدعومةً سياسياً، وربما عسكرية أيضاً، فإن تغييره سيكون بالغ الصعوبة عبر القنوات القانونية أو السياسية، اللهم إلا باستخدام القوة، وهو ما يعني العودة بالأزمة الليبية ككل إلى المربع الأول.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.