في مسألة ليث شبيلات

في مسألة ليث شبيلات

26 فبراير 2022
+ الخط -

يتعرّض المعارض الأردني الأبرز، النائب والنقيب الأسبق، السجين غير مرّة، ليث شبيلات، في فيديوهات يبثها في حسابه في "فيسبوك"، من مقامه في إسطنبول، لشخص الملك عبد الله الثاني، بحدّة بالغةٍ ومفرداتٍ شديدة القسوة، ثم "يزور" عمّان، من دون أن يُسأل في المطار عن شيء. وفي نحو عشرة أيام أمضاها في منزله، واصل فيديوهاته، بتصعيدٍ أعلى، وأشهر فيها كلاما عن الملك، بنعوتٍ مستخفّةٍ لا يجرؤ صاحب هذه الكلمات على إيراد شيءٍ منها هنا. وأعلنَ أيضا عن موعد عودته إلى إسطنبول، وطلب من السلطة إن أرادت حبسَه أن يتوفر السجن على مستلزماتٍ يحتاجها لصحته، وهو يتقدّم إلى عامه الثمانين. ثم يسافر صباح أمس، من مطار الملكة علياء الدولي، في موعدِه المعلن، من دون أن يُراجعه أحدٌ في شيء. وذلك فيما جرى، قبل أيام، التحفّظ على شبابٍ أردنيين تظاهروا في حراكٍ محدود، ولم يهتف أيّ منهم بأي مفردةٍ من العيار الثقيل في معجم ليث. .. هل يعني هذا أن النظام في الأردن يتّصف بالحكمة، أم أنه ليس في وارد أن يُعطي شبيلات صفة الضحية البطل، فيحرِمه من تعاطفٍ معه، وشعبيةٍ مُضاعفةٍ، في منعه من السفر، أو استدعائه لتحقيقٍ معه، أو حبسِه؟ أم أن الحكمَ في الأردن لا ينقصُه وجع رأسٍ زائد، في وسائل إعلام وصحافاتٍ عالمية، سيما أن لليث شبيلات اسمَه وشهرتَه، وسيما أيضا أن صورة النظام في أوروبا وأميركا صارت، أخيرا، مخدوشةً بغير سؤالٍ واستفهام، بعد أن ذاع اسم الملك عبدالله الثاني في "أوراق بندورا" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بشأن 12 قصرا ومسكنا فاخرا يملكها في الولايات المتحدة وبريطانيا، بمائة مليون دينار، وبعد أن نُشر، قبل أيام، عن ستة حساباتٍ له ولأسرته في بنك سويسري بملايين الدولارات؟

ردّ الديوان الملكي الأردني على ما جرى نشرُه في المرّتين، وأوضح مصادر هذه الثروات، لكن ليث شبيلات غير مقتنع بهما (كما غيره؟). وعندما يقصُر شرائطَه المصوّرة على وجوب إرجاع هذه الأموال (المسروقة بحسبه)، من دون أن يأتي على أي قضيةٍ أخرى، وإنْ يربطها أحيانا بما يسميه "احتلالا" أميركيا للأردن، وبعدم أمانة الملك في الحكم، وبصمت شخصيات وازنة في البلد، وإنْ "يخوّن" كثيرين، ومنهم الإخوان المسلمين، على "تواطؤهم"، عندما يفعل هذا، فإنه لا شك يحصد شعبية طيبة، والرجل من دون هذه "الأفلام" التي صارت تُشاهد له في "فيسبوك"، يمحضُه الأردنيون إعجابا وتقديرا واسعين، ولا أحد ينكر شجاعته في غير محكّ منذ عقود. وهو الذي، على الرغم من شراسة مفرداته، لم ينطق يوما بسقوط النظام، أو بتغيير الأسرة الهاشمية المالكة، وإنْ صار، أخيرا، يقول إن ذلك غير ممكن لانعدام البديل. .. وهنا، يجوز السؤال، وليث، على ما يُفترض، ديمقراطي: هل لهذا الأسلوب جدواه وتأثيرُه وفاعليته ونفعه؟ بصيغة أخرى، ألم يكن ممكنا للنقيب المخضرم والمحترم أن ينهج لغةً مختلفة، أقلّ انفعالا وتبخيسا، في بناء مطلبه "إعادة الملك أموال الشعب"؟

يلحّ أبو فرحان على نفي النرجسية والاستعراضية والفردانية عن شخصه وهو يفعل ما يفعله، فيقول إن على من يعارضون حقا أن يرتفعوا إلى سقفه، وليس أن يهبط هو إلى سقوفهم. وهذه معادلةٌ مربكة، تبدو ذهنيةً ومتعالية، مقنعة نظريا، سليمةً في غرف المنازل أمام الحواسيب و"فيسبوك"، غير أنها ليست عمليةً (لئلا نقول غير واقعية)، غير ممكنة بالكيفية التي يراها شبيلات وحدَها يجب اتّباعها، فيما هذا غير دقيقٍ تماما، فليس مطلوبا من الناس أن يكونوا انتحاريين وفدائيين (للحقّ، لم يطلب شيئا من هذا). وبذلك، يجوز القول إن الشجاعة مقدّرة، لكنها وحدَها لا تكفي، أو لا تصلُح معزولةً عن الحكمة، وعن درس الأثر والتأثير. وهنا سؤال: هل يعرف ليث محدودية تأثيره على المجال العام في الأردن؟ وللعلم، قصة الهاشتاغات واللايكات مخادِعة، ومضلّلة، وإنْ دالّةٌ أحيانا، ولا تعني شيئا عند الجدّ، عند بناء صيغ وخرائط عمل وأدوات فعل، من أجل استرداد أموالٍ "مسروقة"، ومن أجل إنجاز أيٍّ من مطالب الأردنيين وتطلعاتهم.. وفي حسبةٍ أخرى، إن إقامة ليث شبيلات في إسطنبول تصلُح معطىً وجيها على مؤدّى هذا الكلام. لقد أخذه "كفرُه" العتيد بالسياسة في الأردن، منذ سنوات، إلى العيش في شيخوخته هناك. إذن، كيف سيقوى من ليسوا في شجاعته وسقوفِه العالية على الجهر بما يجهر به، وحالُ السياسة، في الأردن، على ما نعرف، وقبلها حال الأرزاق وأكل العيش أيضا، وفي المطار يُباح لهذا أن يسافر ولا يُباح لذاك.

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.