فجر أسود في لبنان .. ماذا بعد؟

فجر أسود في لبنان .. ماذا بعد؟

16 اغسطس 2021
+ الخط -

استفاض الحاكمون في لبنان، ومن هم في منزلتهم من السياسيين خارج مؤسّسة الحكم الراهنة، في تظهير الأسى الذي غشيهم، والتفجّع الذي أحدثه فيهم مقتل 28 شخصا وجرح نحو 80 في انفجار صهريج وقود في بلدة التليل في منطقة عكّار فجر أمس، قيل إن السبب فيه إشعال أحدهم "قدّاحة"، في أثناء شجارٍ أو جلبةٍ عند محاولات بعضهم الحصول على الوقود. وقارئ بيانات سعد الحريري وميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي وغيرهم يغبط هؤلاء على فائض الشعور بالمسؤولية فيهم تجاه أهالي عكّار وعموم اللبنانيين. ولمّا سأل برّي "أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟"، ولمّا قال الحريري "طفح الكيل"، ولمّا دعا عون إلى "التعالي على الجراح والانقسامات"، ولمّا أفادنا ميقاتي بأن "ما حصل يستصرخ ضمائر الجميع للتعاون لإنقاذ اللبنانيين مما هم غارقون فيه"، لمّا قال هؤلاء هذا الذي قالوه فإنهم لم يُبقوا لنا، نحن أصحاب الكلام في تعاليق الصحافات السّارة، ما يمكن أن نكتبه أو ندعو إليه في غضون المحنة التي نُكب بها اللبنانيون في الفجر الأسود أمس، المحنة الموصولة، بداهةً، بما عليه لبنان من أحوالٍ راهنة، عنوانها التردّي العريض في عيش أهل البلد، وهم يزاولون نضالا يوميا من أجل الحصول على ما يحتاجون من بنزين، وما يُسعف المرضى منهم من دواء، بل وما يقيم أودهم من طعام، صارت كلفته العالية تُجبرهم على تحسّس جيوبهم، والحذر عند الإنفاق والصرف.
ولكن، ماذا بعد؟ لم يعد مُجديا لعن الفساد والمحاصصات والطائفية والطبقة السياسية وانعدام الحسّ العام لديها بالمسؤولية الوطنية تجاه بلدها وناسه. مهما كتبنا وقلنا، ومهما صرفنا من كلام، فإننا نجدُنا نعيد ونزيد السخط نفسه، وكأننا ندور في ساقية الرتابة المُضجرة. ليس واضحا أن شيئا قيد التغير في لبنان، لنلحظ بعض نورٍ قادما من بعيد. ليس ظاهرا أن انصراف الحكومة المرتجلة الراهنة، وتزبيط حكومةٍ قيد التربيط منذ نحو سنة، سيُحدثان المرتجى من أفقٍ مأمول. ومذبحة عكّار، والتسمية هذه جائزة، لم تفضح مكتوما لم يكن يعرفه أحد، وإنما دلّت، للمرّة الألف على الأقل، على أن استضعاف الفقراء والغلابى والمحرومين من أهل لبنان واحدٌ من سنن العمل العام في هذا البلد المتروك لمجهولٍ تتراكم علامات الانهيار المخيف فيه. والماثل قدّامنا من فساد وفقر وإفقار ونقصانٍ في الدواء والوقود والغذاء والأوكسجين في المستشفيات يطرح السؤال المحيّر عن أسباب هذا كله، وقد استجدّ بفداحاته الراهنة بعيْد انتفاضة 17 تشرين (2019)، وفي غضون حكومةٍ استقوت بإسناد حزب الله لها، وباركها الرئيس عون. هل هي عقوبة للبنان تؤدّيها أطرافٌ في الخارج، تريد لهذا البلد أن ينتهي، أن ينتحر ناسُه، أن يزاولوا اليأس برضاهم؟
اجتمعت في واقعة عكّار الدامية كل عوامل اشتعال لبناني واسع قد يطرأ في أي وقت، في وجه الجميع. وما يتواتر من أنباء عن ازورار مشايعين لحزب الله عنه في غير بلدة في الجنوب، وما يضجّ في صدور الشباب اللبناني الحانق، وما يتتابع من خرائط القهر والاستغلال والاهتراء العام، ذلك كله وغيرُه قد يفضي، بحسب علوم الثورات والانتفاضات، إلى ما قد يجيز لنا، نحن المعلّقين المتعجلّين، توقّعه، من قبيل انتفاضة جوعى واسعة، أو ثوراتٍ موضعيةٍ ليس في الوسع هنا ترجيح مآلاتها وخواتيمها. ولا يتزيّد واحدُنا لو افترض أن واقعة انفجار مرفأ بيروت، قبل أزيد من عام، أحدثت في نفوس اللبنانيين، أو غالبيتهم الأعمّ، آلاما ثقيلة، سيما وأن حسم الحقائق في تحقيقٍ مهني محكم لا يبدو أنه يقترب، وأن لعبة العبث المشهودة ما زالت قادرةً على ابتداع مزيدٍ من العبث في ملاعبها. ولا تزيّد أيضا في القول إن مذبحة عكّار ستزيد آلام الجروح التي لم تلئتم بعد واقعة المرفأ .. أما الإجابة عن السؤال في العنوان أعلاه: ماذا بعد؟ فلا تبدو ميسورة تماما، لكن تلك "القدّاحة" التي قيل إنها أشعلت الصهريج قد تُشعل حرائق أخرى تتغذّى من فائض السخط والحنق... ولكن، لننتظر، بدل أن نقرأ في الفنجان، أو نسأل مع نبيه برّي: أما آن لليل لبنان أن ينجلي؟

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.