صَولاتُ المسخرة السورية وجولاتُها

صَولاتُ المسخرة السورية وجولاتُها

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
فشلت آخرُ "صَوْلة وجَوْلة" من صَوْلات وجَوْلات اللجنة الدستورية السورية التي أَمَرَ الرئيسُ فلاديمير بوتين بتشكيلها، بغيةَ تأهيل نظام ابن حافظ الأسد بالقوة. فشلت الصولةُ والجولة باعتراف المبعوث الأممي الجديد إلى سورية، غير بيدرسون، وتأكيد المجلس "أبي الفيتو" على صحة الفشل وتحققه. يقول أحد ناقلي هذا الخبر بكل براءة: فشلت الصولة والجولة كما هو مُتَوَقَّع. ويقول ثانٍ: فشلت كسابقاتها. ويقول ثالث: فشلت بسبب تَعَنُّت النظام. ويقول مختصٌّ باللغة العربية: لا تقولنَّ فشلت، قل أخفقت. أما نحن فقد أعجبتنا كلمة "تَعَنُّت"، ورددنا على اللغوي المختص قائلين: على رأسنا أنت ويوسف الصيداوي والحاج محمد سيبويه، أنعم بكم وأكرم.. يَبْرُكُ الرفيق خالد العبود، في استوديو الفضائية السورية، لاوياً جذعَه بطريقة "الانْجِعَاص"، و"يحلل" الواقع السوري تحليلاً لا يقف عليه مخبر طبي. يستعرض، في البداية، قائمةَ بطولات ابن حافظ الأسد، ومقدرة بشار الجعفري على مناوشة الأعداء، ومآثرَ الجيش العربي السوري الباسل المتمثلة في دكّ بيوت المواطنين السوريين الآمنين، وتحويلها إلى قاع صفصف، ثم يقول محذّراً: لا تعيدونا إلى المربع الأول، فنحن لم نصل إلى المربع الحالي إلا بطلوع الروح. لو وُجِّهَ السؤال عن فشل جولة اللجنة الدستورية، نفسه، إلى الدكتور قدري جميل لقال: صارت ورانا. ولو قيل له إن الدولار الإمبريالي الأميركي قد وصل سعرُ صرفه إلى أعتاب الألف ليرة سورية لقال: أنا كنت أشتغل على إنزال الدولار إلى مستوى مئة ليرة، ولكنهم أقالوني من الوزارة.. وهذه الإقالة، لعلمكم، صارت ورانا.
يجدر بنا أن نمتثل لنصيحة أهل اللغة العربية، ونقول إن "إخفاق" صولة وجولة اللجنة الدستورية ليس أمراً ذا بال، أو، كما يقول الأشقاءُ اللبنانيون في حالة كهذه: متل رِجِلْنا. إذا سُئل السوري (الذي يفكر في كيفية سَدّ الثقوب التي أحدثتها رياحُ الشتاء بخيمته ليقلل من دخول البرد والزمهرير إلى عياله) عن إخفاق أعمال اللجنة الدستورية، لأجاب: "أنا ما بيهمني إذا بتنجح اللجنة أو بتفشل، هَالشي على قفا صرمايتي". يقول ناشط ثوري غير مشارك في أعمال اللجنة الدستورية: أنا لم أُدْعَ للمشاركة. ويضيف: لو دُعيت للاشتراك في أعمالها لرفضتُ الدعوة رفضاً قاطعاً. ويَتَزَيَّدُ ناشط آخر في الكلام، ويقول إن أي مشاركةٍ كهذه خيانة لدم الشهداء! وإذا دُعِيَ الناشط نفسه، في مرةٍ مقبلة، للاشتراك في عملٍ مشابهٍ لهذا العمل، قد يقبل بالمشاركة، ويسرد على مسامعنا سلسلةً طويلةً من التبريرات. هنا سيعترض أهل اللغة العربية محذّرين إياه: لا تقل تبريرات، قل تسويغات. وإذا أصرّ على النأي بنفسه عن هذه المشاركة، لا تستغربنَّ أن يقول له الرفيق بوتين: متل رِجْلي، يا أخا العرب، فلقد اعتدنا أن يغادرنا عاشقٌ، ويأتينا مكانه ألفُ مشتاق. المشاركون، يا عين عمك، على قفا مين يشيل.
عندما وَقَّعَ دونالد ترامب قانون قيصر، لم تقل الرفيقة بثينة شعبان "متل كندرتي"، فالعادة جرت أن يوبخَ المسؤولون الأميركان المسؤولين السوريين، لا العكس. اكتفت بثينةُ بالقول إن حكومة الجمهورية العربية السورية ستعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي. بثينة شعبان محقّة في ذلك، فالنظام السوري اكتفى بذاته في قتل السوريين ومطاردتهم وحصارهم وتجويعهم، وإنْ كان قد فتح مجالاً للروس والإيرانيين للمساهمة في القتل، فما ذلك إلا من حُسْنِ الضيافة.
أجاد الصديقُ بسام يوسف، حينما تحدث عن الكائنات السياسية الغريبة التي تقود سورية نحو الدمار، قائلاً إن بثينة هي نفسها التي أعلمتنا في سنة 2013 أن الإرهابيين شحنوا 1300 طفل علوي إلى الغوطة، وسطحوهم على الأرض وضربوهم بالكيماوي، ووليد المعلم محا أوروبا من الخريطة، وبشار الأسد استغرب أن يتحدّث الناس عن وجود تعذيب ممنهج في المعتقلات. ولماذا يُمَنْهَجُ التعذيبُ مع وجود "الاكتفاء الذاتي" الشعباني؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...