دفاعاً عن "قطع الأرزاق"

دفاعاً عن "قطع الأرزاق"

18 أكتوبر 2022

(مصطفى دوزغونمان)

+ الخط -

علّق أحد الموظفين المصريين المقيمين في الإمارات، في "فيسبوك": "لو كلّ واحد مننا اشترى مقص وقابل أيّ واحدة كاشفة شعرها، قام قص لها شعرها، مش هتلاقي ولا واحدة من غير حجاب". وراجعته معلقة (أسماء وهدان): "أنت أد تعليقك ده" فأجاب ساخراً: "طبعا أده، بس المشكلة مش لاقي المقص". تقدّمت المعلقة ببلاغ ضد صاحب التعليق المحرّض على العنف، وتقدّم صديق لها بالبلاغ نفسه ضد الشخص نفسه، واستجابت شرطة دبي، وأنهت عقد عمل صاحب التعليق ورحّلته. 
لفت نظري أنّ صاحبة البلاغ "محجّبة" ولا تعرف صاحب التعليق، وليس لديها أي مشكل شخصي معه، وحذّرته أولاً، ثم شكته، من موقع المسؤولية والدفاع عن حق بنات جنسها في اختيار ما يلبسن، من دون أن يتعرّضن إلى إيذاء، بالقول أو الفعل، كما كتبت على صفحتها. دافع صاحب التعليق عن نفسه بأنّه لم يقصد، وأنّ تعليقاته كلّها "هزار" وأظنّه صادقاً، فما معنى "لا أجد المقصّ" سوى محاولة سخيفة للتهريج؟ لكنّ صاحبة البلاغ رأت (وكاتب السطور معها) أنّ التحريض على العنف ليس مجالاً للمزاح أو السخرية، خصوصاً في بيئةٍ عدائيةٍ ضد المرأة، وتستغل أيّ "إشارة" لتبرير وساخاتها. كما أنّ هذا النوع من "الهزار" أو تبرير التحرّش،  يخفي وراءه متحرّشاً، بالضرورة، كما كتبت أيضاً صاحبة البلاغ، ووافقها آخرون، وأخرياتٌ من واقع تجربتهن، وكذلك رأت شرطة دبي (وقوانينها بالمناسبة) وتخلّصت من هذا العنصر الفاسد وأعادته إلى البلد، والثقافة، التي أنتجته.
ما ينبغي أن نعترف به أنّ قطاعاً كبيراً "منّا" يعتبر التحرّش عقوبة مستحقّة، ورادعة، لغير المحجّبة، ويقول بذلك، تصريحاً أو تلميحاً أو لفّاً ودوراناً و"استعباطاً" على اعتبار أنّ معاقبة غير المحجّبة هي "دور الدولة" الذي تتقاعس عنه (لأنّها علمانية!) فيتولاه الأفراد، في حدود إمكاناتهم، (الجنسية طبعاً). أتحدث هنا عن مصر، (وربما غيرها)، في الخمسين عاماً الماضية، وأستند إلى مئات المناقشات والتعليقات والحجج التي يسوقها أصحاب هذا الرأي البائس، والمنتشر، والمبرّر للإيذاء باسم الشرع حيناً، والرجولة و"الحمشنة" والعادات والتقاليد أحياناً، والذي يتجاوز الرجال إلى بعض النساء، المبرّرات، بدورهن، حقّ الرجال في إيذاء غيرهن، للأسباب نفسها، وهو ما يظهر في التعليقات على أي واقعة تحرّش، والدفاع عن الجاني، واتهام المجني عليها، والتهوين من شأن الجناية. وهو ما ظهر، أيضاً، في بعض التعليقات على واقعة "محرّض دبي" والتي بلغ "التفنّن" في تبريرها حدّ اتهام صاحبة البلاغ بأنّها "مش جدعة" لأنّها تحتمي بنظام استبدادي (أريد أن أضع هنا صوتاً أنفياً "سكندرياً" محبّباً بدلاً من علامة التعجّب). 
وما ينبغي أن نتوقف عنده "رأي" يرى أصحابُه أنّ عقوبة "قطع الرزق" والترحيل خارج البلاد ليست على قدر الجُرم، وأنّها عقوبة قاسية، وهذا كلام له وجاهته، لكنّه، في تقديري، غير دقيق، لأنّ تقدير الجريمة من ثم العقوبة يتوقف على عدة اعتبارات، أهمها: مقدار الأذى الذي ينزل بالمجنيّ عليه، ومقدار الترويع والإفزاع العام الذي تُحدثه الجريمة، وحجم شيوع الجريمة. ومن هنا حجم الردع اللازم لإنهائها، وهو ما دفع دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات عقابية قاسية لردع جرائم التحرّش بالأطفال والنساء، بل بالرجال في القانون الإماراتي، والتي تتنوّع من حيث المبدأ بين الغرامة والحبس، أو الترحيل والإبعاد القضائي أو الإداري، خصوصاً في الجرائم التي تمسّ أمن الدولة. وقد يفسر ذلك لماذا تستقبل دولة مثل الإمارات سائحين أكثر مما تستقبلهم مصر التي فيها ثلث آثار العالم، وأقدمها، وأعرقها، الفرعونية واليونانية والرومانية واليهودية والقبطية والإسلامية، وفيها، نظرياً كلّ أنواع السياحة، لكن تنقصها "الدولة". 
أخيراً: تدير الدولة المصرية "يوم" المصريين وفق مبدأ "حرب الجميع على الجميع" ولو أرادت القضاء على التحرّش والعنف ضد المرأة لفعلت، لكن ما يحدُث هو إقرار قوانين، من دون إجراءاتٍ صارمةٍ لتفعيلها، ناهيك عن غياب (أو تغييب) أيّ مشروع ثقافي "حقيقي" لتصحيح المفاهيم الدينية والاجتماعية المرتبطة بالمرأة.