حاشية انتخابية أميركية

حاشية انتخابية أميركية

08 نوفمبر 2020
+ الخط -

خلال المعركة الانتخابية الدائرة حاليا في الولايات المتحدة، والتي من غير الواضح متى أو كيف سوف تنتهي، حتى لو تم الإعلان رسمياً عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، لا يمكن إلا الوقوف عند معطيات وملاحظات كثيرة ستحكم السياسة الأميركية عموماً، ولا سيما الداخلية، وأي استحقاق انتخابي عالمي مرتقب.

وبحسب تسلسل هذه الملاحظات، فإن استطلاعات الرأي ونتائجها تأتي في المقام الأول، فبعدما كانت كلها تشير إلى أن المرشح الديمقراطي سيحقق فوزاً سهلاً على الرئيس دونالد ترامب، أظهرت عمليات الاقتراع عكس ذلك، ودخلت العملية الانتخابية في نفق طويل، وباتت تتجه إلى معركة قضائية قد تكون أعقد بكثير من التي شهدتها انتخابات عام 2000 بين الرئيس الأسبق جورج بوش الابن ونائب الرئيس الأسبق آل غور، والتي انتهت بفوز الأول بعد إعادة إحصاء أصوات ولاية فلوريدا يدوياً. في ذلك الوقت، كانت المعركة محصورة في فلوريدا، على عكس ما يريدها ترامب اليوم، إذ هو يتجه إلى فتح جبهات قضائية في جميع الولايات التي فاز فيها بايدن، وتأخير النتيجة ربما إلى ما بعد موعد تسليم السلطة في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل.

هذا يقود تلقائياً إلى الملاحظة الثانية، والمتعلقة عملياً بالديمقراطية الأميركية ونظامها الحزبي الذي بات في حاجةٍ إلى إعادة نظر. فما يقوم به دونالد ترامب حالياً هو ضرب لكل المفهوم الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، والذي من المفترض أن الولايات المتحدة قد قامت عليه. ورفضه النتائج الكلية للانتخابات، حتى الساعة، هو سابقة في التاريخ الأميركي. فالاعتراض الجمهوري في عام 2000 كان وفق إطار قانوني يسمح بإعادة فرز الأصوات يدوياً إذا كان الفرق أقل من 1%، وهو ما حصل في فلوريدا في ذلك الحين، وأدخل البلاد في أسابيع من الترقب، وكان من الممكن أن ينتهي بفوز آل غور، وكان من المفترض أن يعترف الجمهوريون بالنتيجة. غير أن دونالد ترامب يبدو ذاهباً إلى ما هو أبعد عبر تهييج أنصاره ومؤيديه للنزول إلى الشارع، وفي بعض المناطق بأسلحتهم، للاعتراض على النتيجة التي لم تأت على خاطره. الأنكى من ذلك أن ما يفعله الرئيس الحالي (السابق قريباً) يحصل بدعم من الحزب الجمهوري، أو على الأقل الكتلة الكبرى منه، على الرغم من أنه من المفترض أن الحزب (العريق) يدرك أن السابقة التي تحصل اليوم من شأنها أن تهدم الحياة الديمقراطية برمتها، ما يؤشر إلى أن هناك أزمة كبيرة تبدو داخل هذا الحزب الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة بعد انتهاء هذا الكابوس الانتخابي.

غير أن الأزمة الكبرى تبدو في الحزب الديمقراطي، فعلى الرغم مما يمكن القول إنه نجاح انتخابي، يقول بايدن إنه ساحق وفق حسابات إمكان تخطّيه حاجز الـ 300 صوت داخل المجمع الانتخابي، إلا أن هذا لم يحصل محبّة في الحزب الديمقراطي. فوفق إحصاءات، فإن ثلثي الأصوات الأميركية صبّت لبايدن فقط في إطار التصويت ضد ترامب، وهو ما يجب أن يدركه منظرو الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من ذلك، لم يستطع الحزب تحقيق الانتصار الساحق الذي كان موعوداً، بل على العكس، فلو أن المرشّح المواجه لبايدن كان أي شخص غير ترامب، حتى لو نائبه مايك بنس، فإن الهزيمة الساحقة كانت ستكون من نصيب الديمقراطيين.

أخيراً، أظهرت هذه الانتخابات أن ترامب لا يمكن تصنيفه حزبياً، فهو حال تعكس مزاج نصف الأميركيين على الأقل، وهذا مع حصوله على أكثر من 70 مليوناً من أصوات المقترعين المفتونين باليمين والخطاب الشعبوي، وليس بالضرورة بالحزب الجمهوري. فالانتخابات كشفت أن لدى هذا الشخص، والذي لا يمكن أن يكون سوياً بشكل كلي، كتلة شعبية صلبة، ربما تمهد له الطريق لتأسيس حزب يميني متطرف في الداخل الأميركي.

المشهد الانتخابي لم ينته بعد، وربما الانتظار سيطول لمعرفة إلى ما ستؤول إليه الأمور، لكن الأكيد أن ستارة هذه الأحداث ستغلق على أميركا غير التي نعرفها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".