جائزة الشيخ حمد للترجمة .. مجددا

جائزة الشيخ حمد للترجمة .. مجددا

22 ديسمبر 2020
+ الخط -

"جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" أحدث جائزة عربية في تكريم المترجمين، فقد سبقت دورتها الأولى في العام 2015 مؤسساتٌ وهيئاتٌ في غير بلد عربي، التفتت إلى تنظيم منافساتٍ على جوائز في الترجمة، أو بادرت إلى اختيار من رأتهم يستحقّون جوائزها على ما نقلوا إلى العربية أو منها. وفيما اتصفت بعض هذه المبادرات والمنافسات بالعلمية والمهنية العالية، واستحقّت تقديرا لازما، إلا أن منها أيضا ما انطبع بالارتجال والتسرّع ونقصان القيمة وقلة النزاهة. وفيما أعطت بعضُ تلك الجوائز نفسَها صفة العالمية عن استحقاقٍ ظاهر، وإنْ نسبيا في الغالب، فإن جوائز أخرى نسبت إلى نفسها هذه الصفة بادّعاءٍ بيّن. وفي وسع المختصين من العارفين بخريطة الجوائز العربية في الترجمة تعيين الجدير منها بالتثمين والجدير منها برميها بالزيف. وبعيدا عن هذا الأمر، وقريبا منه ربما، وبعيدا عن التباينات في المقادير المالية بين كل هذه الجوائز (أغلبها تتبع مؤسساتٍ في دولٍ عربيةٍ خليجية) لن يُجادل الناظر في الخريطة المشار إليها نفسَه، عندما يلحظ أن "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" توفّرت على كل أسباب عالميتها الموصوفة بها، بل إنها استثنائيةٌ عربيا في أمرها هذا، فليس من جهةٍ، في مغرب الوطن العربي أو مشرقه، تكرّم مترجمين نقلوا نصوصا، قديمةً وحديثةً، من اللغات الهاوسا والمالايالامية والبنغالية والصومالية والبشتو والكورية والأوزبكية وغيرها، بل وأيضا من العربية إلى هذه اللغات.
وباستعراضك الكتب التي استحقّ مترجموها التكريم بالجائزة تراها شديدة التنوع، على ما تلحظه، مثلا، نظرةٌ إلى الأعمال التي نالت جوائز الدورة السادسة (العام 2020)، المختصّة بالفارسية لغةً رئيسيةً، إلى جانب الإنكليزية (ومعهما لغات فرعية)، والمعلنة أول من أمس الأحد، وبالفئات الثلاث لكل منها، فثمّة الرواية ("دروز بلغراد" ربيع جابر مثلا)، والبحث النقدي والعمل الفكري والكتاب التاريخي و..، فضلا عن الإبداعات في الشعر والرواية والقصة والمسرح (سعد الله ونوس مثلا)، وهو التنوّع الذي ظل سمةً حاضرةً في كل دورات الجائزة. ولمّا كان معلوما أنه، إلى ثبات الإنكليزية منها وإليها سنويا، فإن لغةً ثانيةً رئيسية، منها وإليها (التركية والإسبانية والفرنسية والألمانية والروسية والفارسية على التوالي) في كل عام، فقد خصّصت الجائزة المرموقة، والفتية، منذ دورتها الرابعة، فئاتٍ للغاتٍ فرعية. ولا تزيّد في القول هنا إن هذه الانتقالة فريدةٌ عالميا، وليس في الفضاء العربي وحده. وفي هذا، تعزّز الجائزة صدقيّة مسمّاها "للترجمة والتفاهم الدولي"، وتؤكّد رؤيتها المعلنة، ".. تقدير دور المترجمين في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين أمم العالم وشعوبه، ومكافأة التميز والإبداع، وتشجيع عمليات المثاقفة وبقية ثقافات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب". والمؤكّد أن جهودا دؤوبة يؤدّيها القائمون على الجائزة والمشرفون عليها ولجان تيسيرها، في اختيار المحكّمين والتواصل مع دور النشر والمؤسسات المنشغلة بالمعرفة والجامعات والأكاديميات المختصة، وغيرها، في أربع رياح الأرض. 
وإذ تتبيّن من الإشارات الموجزة هنا نقاط الالتقاء مع جوائز عربية وأخرى عالمية مقدّرة، ونقاط الاختلاف والتمايز والتفرّد عنها، فإن جائزة الشيخ حمد عندما تأخذ بتقليدٍ تسير فيه جوائز للترجمة (ولغير الترجمة أيضا)، في مَنحها جوائز الإنجاز لمؤسساتٍ ومترجمين أفراد، تُمايز نفسها، هنا، باتساع هذه الفئة التي يختار مجلس الأمناء من يستحقّون التكريم بالجائزة، ما يعدّ استثناءً مضافا، فثمّة جائزة الإنجاز في اللغتين الرئيستين، وجوائز الإنجاز لمجموعة أعمالٍ مترجمةٍ من لغاتٍ مختارة. وفي دورة العام الحالي، عندما يُحرز المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (120 كتابا مترجما في ثمانية أعوام) الجائزة المخصّصة للهيئات والمؤسّسات، تقديرا لإسهاماته في أعمال الترجمة إلى العربية، فذلك من شواهد غير قليلة تؤكّد انتهاج الجائزة خيار الكفاءة والاقتدار والجدارة، وهي التي سبق لها تكريم معهد تونس للترجمة ودار سندباد الباريسية ومؤسسة البيت العربي في إسبانيا (أمثلة) بالجائزة. وتشكل زمالة هذه المؤسسات (وغيرها) مع فاعلين من أصحاب إسهاماتٍ نوعيةٍ في الترجمة، استحقوا الجائزة في الأعوام الستة، مقطعا أنيقا في لوحةٍ عربيةٍ عالميةٍ حضاريةٍ تنويريةٍ ترسمها بكفاءة "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي".

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.