توليد الطاقة من "البتاع"

توليد الطاقة من "البتاع"

15 أكتوبر 2020
+ الخط -

هناك أمر غامض في خطب عبد الفتاح السيسي "العصماء"، وهو مبتدع في فنِّ الخطابة على المنبر، ومنبر السيسي غير المنابر التي نعرفها، فهو لا يخطب إلا قاعداً وحوله الحاشية والطواشية والماشية، ويعتكف وهو يخطب، حتى أنَّ المستمع ليتساءل عن سبب انخطافته التأملية فترة، تعادل فقرة "فاصل ونعود"، فيذكّرك بقول مسعود في مسرحية "المتزوجون": حنفي بيعمل ايه.. بيحضر ذرّة. كأنه يفقد قدرته على التذكّر والتدبّر واقفاً، وهو يخطب مدبراً غير مقبل، صابرا محتسبا، يعيش على الماء، قلما ظهر مقبلاً إلا وهو يتلو خطباً بالفصحى في منابر الأمم المتحدة الرسمية. وخطبه ملحّنة، مليئة بالأغاليط النحوية والعجمة والحروف المتآكلة والألفاظ الناقصة. يخطب ويحلف، وحلفانه مثل حلفانات النشّالين في الموالد، كأنه مذنب، خطبته مقسّطة على أشواط، فهو يتعثر كثيراً، لذلك هو يبدي ويعيد، ويزعم أنَّ سبب الإعادة هو الفلتر الشهير بطبقاته الثلاث، حتى لا يُتهم بغياب البداهة، وكل هذا معروفٌ للقاصي والداني والقانع والمعتر. خطبه فكّة مثل الفكّة التي يحبُّ جمعها علشان مصر، حتى أنَّ اسمه مكرّر، القطعة الثانية من كنيته مفلترة يا جماعة.

أما الأمر الغامض الذي لم يُفحص، بآراء المحللين والمفسرين، فهو اتكاؤه على أسماء كبار الضباط؛ مش كده يا عاصم، بس يا أسامة، يا محمد شوية شوية، شيل الكمّامة يا شيخ خالد، كأنه مخرج. والمخرج البارع يحرص عادةً على إخفاء آثار عمله في الفيلم، حتى يشبه فيلمه الحياة. خطبُ صاحبنا ما زالت مسوّدات، وكان المخرجون قد انتبهوا إلى جماليات أخطاء التصوير، فبثوها من أجل الفكاهة، فلاقت استحساناً، فنحن في عصر لا يهدر شيئاً، أو في عصر المسوّدات والقشور التي تصنع منها المربيات، والبهائم أوْلى بها، واللباب أخير. أما سبب طربه بنداء الضباط بالأسماء من غير ألقاب رسمية، فرأينا فيه أنّه يجدُ نفسه وحيداً، ولا يصدّق الرجل أنه رئيس مصر. ولنتذكّر آخر ظهور للرئيس المصري مبارك إبان المظاهرات المليونية، مع نخبة من كبار العسكر، ويشير بيده ليوحي لنا بأنه ما زال الرئيس، وكان قد أحسَّ بقرب نهايته، فلاذ بالمؤسسة العسكرية. السيسي يستشعر بالقوة، ويشحن بطاريته بالزاد، عندما ينادي الضباط بالأسماء، ليستمد منهم العزم. هو يحكم كل كبار القادة، يا جماعة.

سوى أنَّ للأسماء طاقة مشعة، كما أنها تبثّ المودّة والندى في النادي، لكن عبود الشيت لاند يدرك، بغريزته لا بعلمه، أنَّ للأسماء طاقات مختلفة، بعضها رطب وبعضها يابس، فهو يتجنب ذكر اسم جماعة الإخوان، فهم الأشرار، فذكرُهم يعني الاعتراف بهم، وهو لن يصالحهم، كما قال في دورة التثقيف الحزبي و"ألعاب القوى"، وكان حافظ الأسد أخبث منه، فكان يسميهم الإخوان المجرمين، بل إنه جعل معاداتهم شعاراً صباحياً في المدارس، فجعلهم العدو الأول. ولم يذكر الشيتلاند الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، فهو يشير إليه إشارة، كأنَّ ذكره سيحرقه، كأنَّ اسمه رصد مرصود، كما في السرديات العربية التي يكثر فيها المردة والجان والعفاريت والسحر والتعاويذ. ولا أظنُّ أنه كان يستطيع أن يواجه مرسي هيبةً منه، فحبسه في زجاجة، وهو لا يجرؤ على ذكر اسمه. 

وعلى الجانب الآخر، فهو يرتل اسم إسرائيل ترتيلا، حتى أنّه، في لفتةٍ وُصفت بالارتجالية خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وجه كلمة إلى "شعبه" الإسرائيلي، جاء فيها: "لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ 40 سنة ويمكن أن نكرّر تلك التجربة الرائعة، وأن يكون أمن المواطن الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الإسرائيلي". هو قادر على الارتجال والخروج على النص، ليوحي لنا قائلا: "بصّوا أنا عايش على الميّة، وبسوق وأنا سايب إيديا".

ويتصل بقولنا احتفالات الشيتلاند بنصر أكتوبر العظيم، فظهرت الحرب في إعلامه وكأنها ألعاب نارية! أو خطأ مطبعي عظيم! بطل الحرب ممثل اسمه محمد رمضان، كأن مصر غُرّر بها فخاضت الحرب ضد الشقيق الإسرائيلي المظلوم! فهو لا يذكر اسم العدو، الحرب جرت مع الأعداء، حتى ليظنُّ المرء أنَّ حرب أكتوبر خاضها المصريون ضد الإخوان المسلمين. 

مش كده يا عاصم؟ كفاية يا نفيسة مش كل حاجة أكل أكل!

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."