بيروت .. استسلام غير معلن

بيروت .. استسلام غير معلن

08 يوليو 2022

علم لبنان في بحر بيروت (12/9/2010/Getty)

+ الخط -

تُجرّد بيروت من كل مقومات الحياة. حالها لا يختلف عن باقي المناطق اللبنانية. يعيش سكانها تحت وطأة الأزمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية. بعد الخبز، والكهرباء، والبنزين، وانهيار الليرة وتآكل الرواتب، تضاف إلى معاناتهم أزمة غياب المياه. على مدى أسبوعين، فشلت السلطات المختصّة في إصلاح عطل أصاب أنبوب الضخّ الرئيسي للعاصمة. والحديث هنا ليس عن مياه الشرب، ففي الأصل لا يتوفر لدى اللبنانيين خيارٌ كهذا منذ سنوات، بل فقط للاستخدام المنزلي.

خرج نواب، كالعادة، لالتقاط اللحظة والصورة والجعجعة ببضع كلماتٍ رنانة، ثم انكفأوا تاركين المدينة لتلاقي مصيرها وتبحث عن حلول وقتية لا تمرّ إلا من جيوب أبنائها، ومن خلال مافيات تحتكر المياه كما الدواء والطحين والمازوت.

ليس الجدال بأن بيروت يجب أن تكون أفضل حالاً عن باقي المناطق اللبنانية، فهي ليست استثناء. ولكن تبقى لبيروت رمزية حتى في زمن الانهيار الرديء والقاع الذي يبدو بلا نهاية، فهي العاصمة، المركز الرئيسي للحكم، لوجود المسؤولين لإدارة ما تسمّى سخرية اليوم دولة. ويمكن تخيل أنه متى ما حلّت كل هذه الأزمات في العاصمة، فالوضع أسوأ بعشرات المرّات في الأطراف والمناطق البعيدة.

في أي دولة "طبيعية" لا يُفترض أن تعجز السلطات عن إصلاح أنبوب مياه مهترئ. ولو حدث ذلك، وسجل كل هذا الإهمال والفضائح على غرار ما سطّرته الأسابيع الماضية، لتساقط المسؤولون عن مهزلةٍ كهذه تباعاً. لكن في لبنان، كما في عدد لا بأس به من البلدان العربية، لا يمكن تصوّر أمرٍ كهذا.

يحدُث ذلك كله ومدينة بيروت عادت لتنكفئ على نفسها. انتهت زوبعة الانتخابات ونتائجها، وما حملته معها من تكتل لنواب من خارج المنظومة التقليدية في رسالةٍ اعتراضية واضحة. لكن ذلك كله، حتى اللحظة، لم ينفخ الروح في العاصمة. هي نفسها التي كانت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 نقطة تلاق للمحتجين من كل لبنان، ونقطة اشتباك مع المنظومة السياسية. شهدت شوارعها، تحديداً المحيطة بمقر البرلمان والحكومة، زخماً واحتجاجات واشتباكات ونقاشات. أما اليوم فتذوي المدينة بهدوء. ترك انفجار مرفأ بيروت أثره المدمّر على سكّانها. من اجتاز صدمة يوم الانفجار لم يتخطّ بعد آثاره وخسائره، فحتى التعويضات على قلّتها لم تستطع السلطات استكمالها.

ذلك كله وتكاد المدينة لا تحرّك ساكناً إلا بشكل خجول. يختنق التذمر والأنين بين جدران المنازل. الألسن نفسها التي تغضب في البيوت تلتزم الصمت في الشارع. وكأنه استسلامٌ غير معلن، يفتقر فقط إلى راية بيضاء تُرفع لتعلن الانكسار والانهزام والعجز عن المواجهة.

القول إنه لا بد من الخروج من هذا الوضع بديهي. لكن كيف يتحقّق ذلك؟ تلك هي المسألة الأهم، والتي يغيب النقاش بشأنها، على الرغم من حساسية المرحلة وغموض مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وكل التسريبات عن تراجع الحكومة عن خطة التعافي وخضوعها/ تواطؤها مع رؤية جميعة المصارف الهادفة إلى تحميل الدولة والمودعين الخسائر. يشكّل الانهيار الاجتماعي والاقتصادي قاعدة مهمة يمكن البناء عليها لمحاولة إحياء الحراك في الشارع. لكن الأهم ضرورة بلورة خطاب جلي مرفق ببدائل واضحة. ولكن لا يبدو أن أحداً اليوم لديه الاستعداد لتصدر المشهد وطرحه، خوفاً أو تلكّؤا أو لحسابات سياسية خافية. يضاف إلى ذلك غياب ثقة المواطنين بجل الطبقة السياسية الراهنة. لتكون النتيجة ذوبان الجميع في بقايا دولة.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات