القبض على سمكة

القبض على سمكة

12 يونيو 2023

(إنجي أفلاطون)

+ الخط -

قد تشهد السياحة في مصر الموسم المقبل تراجعاً مؤلماً، بسبب الحادث البشع الذي وقع في مياه البحر الأحمر يوم الخميس الماضي، حيث أنهت سمكة قرش مفترسة حياة سائح روسي بشكل دموي. والمُفزع ربما أكثر من الحادث نفسه منطق التعاطي الحكومي الرسمي مع الحادث ودلالاته، فقد نجحت السلطات المصرية في توقيف سمكة القرش التي التهمت السائح الروسي. وانتشر فيديو مأساوي للحادث صوّرته سائحة ووثقت فيه المشهد المؤلم لافتراس القرش السائح الروسي خلال 20 ثانية فقط. وبعد أن اصطادت السلطات المصرية القرش القاتل، ظهر فيديو مسرّب لأحد أفراد الطاقم الحكومي الذي قام بعملية القبض على القرش، يضربه بقسوة على رأسه مستخدماً عصا حديدية. وانتشرت تعليقات ساخرة على المشهد، أكثرها واقعية أن الرجل الذي كان يضرب القرش أراد الانتقام منه ومعاقبته لقتله السائح! وعلى ما في ذلك التفسير من مبالغة، إلا أن غياب أي تبرير رسمي أو تفسير منطقي لهذا التصرّف الهمجي يجعل الانتقام أو العقاب التفسير الوحيد، على ما فيه من غباء وضيق أفق يصل إلى حد الحماقة. 
ولمنع تلك الحوادث مستقبلاً، قرّرت مصر منع الغوص والصيد وكل الأنشطة السياحية المائية حتى تمشيط منطقة الحادث، كأن مسح الشواطئ والمياه وتفتيشها هما الحل الجذري، حيث سينتظر سمك القرش أو غيره وصول قوات المسح والتمشيط المصرية، وقد يُسلم نفسه لها.
يؤكّد نمط إدارة الحكومات المصرية المتعاقبة هذه الملفات للعالم إهمال البيئة الطبيعية وعدم مراعاة المتطلبات اللازمة للحفاظ على التوازن البيئي في ما تنعم به مصر من موارد وثروات طبيعية لا تقدّر بثمن. وعلى سبيل المثال، تعاني الرقابة البيئية من قصور شديد في متابعة التزام المنشآت السياحية المعايير البيئية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى السفن التي تمرّ في المياه الإقليمية المصرية، سواء كانت سفن شحن بضائع أو لنقل الركاب. 
أما قواعد السلامة وإجراءات تأمين الشواطئ والأنشطة المائية، فرغم أن المنوط بها أساساً هو المنشآت الفندقية والسياحية، كلّ في نطاقها الجغرافي، إلا أن متابعة تطبيق القواعد وتنفيذ تلك الإجراءات مسؤولية مباشرة وحصرية للمؤسّسات الرسمية المعنية بشؤون البيئة، وكذلك قطاع السياحة والفندقة في الأجهزة الأمنية.
قتلت سمكة قرش في العام الماضي (2022) سائحتين على شواطئ الغردقة نفسها، وفي عام 2020، التهم القرش أيضاً سائحاً واحداً. صحيحٌ أن هذه الحوادث قليلة مقارنةً بنظائرها في دول أخرى، إلا أن الصحيح أيضاً أن السواحل المصرية لم تكن تشهد في الماضي تلك النوعية من الحوادث، ولم تعرف ظهور هذه الأنواع المفترسة من القرش. والمعنى المباشر لذلك يعرفه يقيناً علماء الأحياء المائية وخبراء السياحة والبيئة، وهو أن تغيّرات طرأت على نمط السلوك الغذائي لأسماك القرش في البحر الأحمر، وخصوصاً في المناطق القريبة من الشواطئ المصرية. ولا تحدُث هذه التغيرات إلا نتيجة تكرار سلوكيات بشرية خاطئة تؤثّر في السلسلة الغذائية للقروش، وكذلك في النمط السلوكي لها. وليس أدلّ على غياب الرقابة وتراجع فعالية المؤسّسات الحكومية وأدوارها في التصدّي لهذه التغيرات الخطيرة، من تكرار تلك الحوادث البشعة وتسارع دوراتها الزمنية من حادث واحد كل بضعة أعوام، إلى كل عامين ثم إلى حادث العام الماضي وآخر العام الحالي (2023). يجب أن يثير ذلك التسارع قلق المصريين على مستقبل السياحة والبيئة، إذ لا تزال إدارتها تخضع لعقولٍ جامدة تتبع أساليب قديمة وليدة أفكار تقليدية، فإذا هاجم قرش أحد السائحين، لا يجري البحث عن الأسباب الحقيقية وتلافيها، بل يُقبَض على القرش ويتعرّض للتعذيب عقاباً على خطيئته في حقّ ضيوف مصر.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.