الطبّاخ يحرق طبخة الرئيس

الطبّاخ يحرق طبخة الرئيس

30 يونيو 2023
+ الخط -

محاولة التمرّد العسكري في روسيا، التي قام بها رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، يوم السبت الماضي، ليست مفصولة عن سياق التجاذبات الحادّة داخل الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يُمسك بكل السلطات على نحوٍ مركزي، وبيد من حديد. وهناك تقديراتٌ غربيةٌ بأن التحرّك الذي قام به ما يُعرف بـ"طبّاخ بوتين" ليس حركة فردية، بل هو انعكاسٌ لموقف كتلةٍ من كبار العسكريين ومسؤولي الأمن ورجال الأعمال، غير أن شرارة التمرّد انطلقت بسبب محاولة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان حلّ قوات "فاغنر"، وأدّى رفض بريغوجين حصول مواجهاتٍ عسكرية، تدخلت فيها مروحياتُ وزارة الدفاع لقصف فاغنر، ما دفع بريغوجين إلى السيطرة على قيادة العمليات العسكرية الروسية في مدينة روستوف، وهي المكلّفة بإدارة شؤون الحرب على أوكرانيا، ومن بعد ذلك التوجّه نحو موسكو بقافلةٍ عسكريةٍ كبيرة بلغت نحو 400 شاحنة، وصلت على بعد 200 كلم من العاصمة، من دون أن يتدخّل أحد للتعامل معها عسكريا من أجل منعها من ذلك، ما أثار أسئلةً كثيرة بشأن السبب الذي حال دون استخدام القوة العسكرية ضد التمرّد، واللجوء إلى التفاوض لإنهائه عبر وساطة قام بها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

اللغز الذي استعصى على التفسير هو سبب التغيّر في موقف بوتين، الذي صدرت عنه تصريحات نارية، يصف فيها التمرّد بـ"الخيانة" و"الطعنة من الظهر"، وأن منفذيه "سيحاسبون على الجريمة التي ارتكبوها بحق روسيا"، ومن ثم قبل التفاوض والتوصّل إلى الاتفاق الذي رعاه لوكاشينكو، ووقّع بموجبه سلسلة من المراسيم لصالح "فاغنر"، قبل أن يعلن بريغوجين سحب قواته وعودتها إلى مواقعها السابقة. وهذا يخالف أسلوب بوتين المعروف كليا، والذي يقوم على القسوة وعدم التسامح مع كل ما يمكن أن يهدّد حكمه، وما كان له أن يلجأ إلى المرونة عن طيب خاطر، بل هناك موانع فعلية حالت دون ذلك، أهمّها حساب النتائج غير المضمونة في إسكات التمرّد عسكريا، من دون ثمن كبير يصل إلى تهديد سلطاته. وفي غياب معلوماتٍ فعلية، حتى لدى الاستخبارات الغربية، تبدو "فاغنر" واجهة وأداة فقط، وأن التمرّد موجّه ضد بوتين، لكن الكتلة التي تقف خلفه اختارت مواجهة كتلة وزارة الدفاع في المرحلة الأولى، وفي حسابها إذا نجحت في إزاحة الوزير سيرغي شويغو، يصبح بوتين في موقفٍ أضعف، ويسهل الانقضاض عليه في مرحلة ثانية.

حرب أوكرانيا هي خلفية المشهد، وقد اختار الذين يقفون خلف التمرّد بريغوجين كي يقوم بالمناورة. ولذلك، بدأ التمهيد، منذ نهاية العام الماضي، من أرض الميدان، وهو يوجد على خطوط الجبهة الأمامية، ويقود حربين، الأولى من أجل صدّ القوات الأوكرانية، وقدّم لذلك خسائر كبيرة في صفوف قواته، والثانية ضد وزير الدفاع ورئيس الأركان، اللذيْن اتهمهما بعدم الكفاءة والامتناع عن تزويد قوات "فاغنر" بالأسلحة المناسبة والذخيرة الكافية، رغم أنها حقّقت نتائج في باخموت أفضل من الجيش الرسمي. وبفضل ذلك، صعّد من خطابه، واكتسب شعبية في أوساط العسكر والرأي العام الناقم على الأداء السيئ للجيش في الحرب، وما حصل من تمرّد عسكري يظهر أن هناك خللا كبيرا ينمو بسبب ذلك، أوصل الوضع في روسيا إلى مرحلةٍ من التأزّم الشديد، الذي ترفع من وتيرته الخسائر الكبيرة البشرية والاقتصادية بسبب استمرار الحرب، وهو يعني، في الوقت نفسه، أنه جولة أولى في مواجهة مع بوتين، انتهت لصالحه نظريا، ولكنها من الناحية الفعلية، هزّت صورته، وقللت من هيبته حاكما قويا مطلق الصلاحيات، يسيطر على كامل مفاصل السلطة في البلاد، وهي بذلك أول تحدٍّ فعلي واجهه حكمه منذ أكثر من عقدين.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد