البرادعي و حزب النور وراء فشل الانقلاب في ليبيا

البرادعي و حزب النور وراء فشل الانقلاب في ليبيا

25 فبراير 2014
+ الخط -
لا تمارس القمع على نفسك الأمّارة بالتفكير وتمنعها من الربط بين الزيارة المفاجئة لجنرال انقلاب مصر إلى روسيا وبين تحرك جنرال ليبيا المجهول لتنفيذ محاولة انقلاب في نسخة كربونية من انقلاب السيسي في مصر.

الجنرالات إذن يحرقون ربيعنا الفاتن الذي رويناه في تونس ومصر وليبيا بدماء عشرات الآلاف من الشهداء، قدمت الثورة الليبيبة وحدها نحو عشرين ألفاً منهم، فيما قدمنا دماء أكثر من مئة ألف شهيد عربوناً لربيع سوريا الذي يحترق الآن تحت إشراف ورعاية قيصر روسيا القادم من مطبخ الاستخبارات.

في الصورة التي ظهر فيها قائد انقلاب مصر (المشير بقرار من مرؤوسه المصبوب في قالب رئيس جمهورية مؤقت) بدا السيسي وهو يرتدي الجاكيت ذات النجمة الحمراء وكأنه يحصل على ترقية من جنرال روسيا فلاديمير بوتين، أو كأن الأول يستمع بإنصات ووجل للقائد المعلّم.. وإن هي إلا سويعات حتى كان الجنرال حفتر ينقضّ على ربيع ليبيا بكل أسلحته، في محاولة لم يكتب لها النجاح حتى هذه اللحظة، بحسب ما جاء في بيان الحكومة الليبية ضهر الجمعة.

التطابق تام بين الخطاب الصادر عن قائد انقلاب ليبيا وخطاب جنرال انقلاب مصر، وكأنه ينقل حرفياً مما ورد في ما سُمّيت بخارطة المستقبل (الماضوية بامتياز). ولا تغيب هنا أيضاً دلالات اختيار التواريخ، فالانقضاض على ثورة يناير المصرية تم في الذكرى الأولى لتواري العسكر عن صدارة الإدارة السياسية للبلاد (30 يونيو/ حزيران)، وإن بقوا لاعبين خلف الستار.. كذلك تأتي الضربة العسكرية لثورة ليبيا قبل ثلاثة أيام فقط من عيدها (17 فبراير)، بما يبدو وكأن الجنرالات ينتقمون في توقيتات مدروسة بعناية.

ويلفت النظر هنا ما قاله مسؤول الاعلام في رئاسة أركان الجيش الليبي، المقدم حسن الفايدي، من أن بيان حفتر "يعبّر عن طموحات عشرات الآلاف الذين خرجوا مطالبين بعدم التمديد للمؤتمر الوطني العام"، و"تحرك الجيش جاء بعد التداعيات السلبية التي شهدتها ليبيا في الآونة الاخيرة"، ووصفه ما جرى بأنه "أبعد ما يكون عن الانقلاب العسكري"، حيث طالب بتسليم السلطة للمحكمة العليا.

لدى ليبيا إذن متحدث عسكري يشبه تماماً ذلك الجاذب للنساء في مصر، ولديها مَن يلعب دور "المؤقت" بأمر الجنرال، وكذلك إرادة شعبية مصطنعة ومُبالَغ في تقديرها.. فلماذا لم ينجح "حفتر ليبيا" في ما نجح فيه "سيسي مصر"؟

بالعودة إلى الصورة الرئيسية في انقلاب عسكر مصر، ستجد الجنرال محاطاً بشيخ أزهر وصفه بعض الغاضبين في ما بعد بأنه "شيخ العسكر"، وبطريرك الكنيسة المصرية قرّر أن يشارك في إعطاء ما لله للقيصر ويدخل بالكنيسة مرحلة العمل الحزبي كأوضح ما يكون.. وكان هناك، وهذا هو الأهم، أيقونات 25 يناير التي قررت حرق ثورتها نكاية في شريك الثورة الذي وصل إلى الحكم ومناكفةً في رئيس انتخبته الثورة لأنه لم يمنح أحداً منهم ما يسدّ جوعه لقضمة من السلطة.. أتحدث هنا عن محمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، الثلاثي الذي لعب أدوار البطولة في يناير الثورة، ولم يمانع في القيام بدور الكومبارس في يونيو الانقلاب.

في ليبيا أيضاً، ليس هناك حزب النور، ولا أذرع إعلامية زرعها العسكر وسقوها شرابهم المسكر.

غير أن الصورة في ليبيا لا تخلو من مفارقات أخرى مضحكة، فالسعودية والإمارات في ليبيا ضد السعودية والإمارات في مصر.. في الثورة الليبية لم يكن الناتو ليتدخل عسكرياً لولا أن الرياض وأبوظبي قادتا حملة إقحام القوات العربية في الحرب على القذافي، الذي لم يكن رجلهما المطيع أو كنزهما الاستراتيجي كما كان حسني مبارك (لا يعني هذا بالطبع أن القذافي كان أفضل من مبارك).

أيضا يؤخذ في الاعتبار أن الإمارات، تحديداً، هي صاحبة اليد الاستثمارية الطولى في ليبيا ما بعد الثورة، ولا تغيب أيضاً المصالح الاقتصادية السعودية الكبيرة هناك.

وهكذا، افتقد مشروع انقلاب حفتر ليبيا لتلك الرعاية الهائلة والاحتضان الكامل الذي تمتع به انقلاب السيسي في مصر، وبالتالي تعثّرت المحاولة.

كذلك لا يمكن إغفال أن مواقف الرعاة الكبار للعملية برمّتها (واشنطن وتل أبيب والناتو) من الحكم في مصر، ممثلاً بمحمد مرسي، تختلف تماماً عن مواقفهم في تجربة الحكم في ليبيا، إذ لا يبدو أن هؤلاء مستعدون للتورّط بشكل غير مباشر في دعم "روسيا ـ بوتين"، التي لا تزال تشعر بطعم الإهانة مما جرى في ليبيا وخروجها خالية الوفاض من كعكة طرابلس بعد سقوط القذافي، فقررت أن تردّ الصفعة للناتو في سوريا.

كل هذه العناصر أسهمت بشكل ما في تعثّر محاولة الانقلاب في ليبيا.. بينما الثابت أن نجاح انقلاب السيسي في مصر يبقى مديناً بالشكر الجزيل لقطارات ثورة يناير التي تحوّلت إلى عوادم وقود قطار انقلاب يونيو.. لا أستثني منهم أحداً.

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا