إضراب هوليوود والذكاء الاصطناعي

إضراب هوليوود والذكاء الاصطناعي

29 يوليو 2023
+ الخط -

كان ملفتا أن يغادر النجمان كيليان ميرفي وإميلي بلانت لندن عائدين إلى "هوليوود" قبل ساعتين من بدء العرض الأول لفيلم "أوبنهايمر" للمخرج الشهير كريستوفر نولان، صاحب أفلام: تذكار وأرق والعظمة، ثم سلسلة باتمان مع بدايتها (عودة باتمان)، وعدة أفلام حققت نجاحا نقديا وجماهيريا، حوّلت المخرج البريطاني الأميركي إلى واحد من أهم مخرجي العالم حاليا. ليكمل مسيرته بفيلم "أوبنهايمر" الذي يُعرض حاليا في الصالات السينمائية في العالم، والمقتبس من السيرة الذاتية "بروميثيوس الأميركي" لعالم الفيزياء روبرت أوبنهايمر، الأميركي الذي كان له الدور الأول في دخول العالم العصر الذرّي عبر تطوير أول سلاح نووي ضمن مشروع مانهاتن الذي أدخل البشرية في دوّامة السلاح النووي لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ تضع كوكب الأرض على شفير هاوية حربٍ نووية، لا يعرف أحدٌ متى يمكن أن تحدُث، خصوصا مع وجود "زعماء" مهووسين بالسلطة واستعراض القوة واستعادة أمجاد إمبراطوريات بائدة.

كان اختراع القنبلة النووية أيضا البداية للتقدّم التكنولوجي الذي تتسارع خطواتُه جدا في هذا الوقت، حتى بات يشكّل تهديدا مُضافا للبشرية، وفتّاكا على مستوى مغاير للتدمير والموت الذي يسبّبه السلاح النووي. ذلك أنه بات يستهدف طبيعة الحياة البشرية نفسها، علاقاتها الاجتماعية، سلوكها، مصادر عيشها، إبداعها، خيالها، كل ما يميّز طبيعة الحياة البشرية بات مهدّدا من منتجات الحضارة التكنولوجية، والتي، للمفارقة، هي من اختراع العقل البشري نفسه وابتكاره.

جاءت مغادرة النجمين ميرفي وبلانت لندن قبل ساعتين من بدء العرض الأول للفيلم للإعلان عن دعمهما ومشاركتهما في الإضراب الذي بدأه كتّاب سيناريو وممثلون وعاملون في مهنة صناعة السينما في هوليوود، احتجاجا على التهميش المادّي والمعنوي الذي يبدو أنه بدأ يستهدف العاملين في قطاع السينما بشكلٍ كبير، خصوصا بعد انتشار المنصّات التي تنتج أفلاما سينمائية وأعمالا درامية بتقنياتٍ حديثةٍ توفّر في كلفة الإنتاج وتفرض شروطها الجديدة على الصناعة التي كانت تشكّل مصدر دخل لشريحةٍ كبيرة جدا من العاملين فيها في العالم. ورغم أن حضور النجوم العروض الأولى لأفلامهم هو دعم كبير لترويجها، إلا أن غالبية من كانت لهم أفلام تُعرض لأول مرّة هذه الفترة رفضوا حضور العروض في رسالةٍ واضحةٍ إلى أصحاب المنصّات وشركات الإنتاج والمسؤولين عن صناعة السينما في هوليوود: "سوف نتوقف عن العمل حتى يعاد النظر في كل ما تم اعتماده حديثا في هذه الصناعة".

وقد يكون مطلب التوقّف التام عن استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة سيناريوهات الأفلام، واستخدام أصوات الممثلين وأشكالهم ضمن برمجة الذكاء الاصطناعي للإنتاج السينمائي والدرامي، هو أكثر المطالب قوةً من ضمن ما يطلبه المحتجّون، ذلك أنه، مع التطوّر المهول والسريع للذكاء الاصطناعي، باتت مهنٌ بشريةٌ كثيرةٌ مهدّدة بالاندثار. ومعها سوف تندثر حياة شرائح كبيرة من العاملين في تلك المهن، ممن سيفقدون وظائفهم ومصادر عيشهم في ظل أنظمة اقتصادية رأسمالية استهلاكية فاجرة في لامبالاتها بمصائر البشر مقابل مكاسبها وأرباحها.

والحال أن الخطورة التي يشكّلها الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية باتت الشغل الشاغل للجميع، وما يبدو من هذه الخطورة حاليا هو ما يستهدف لقمة عيش البشر، غير أن ما يقوله العلماء والمختصّون والمهتمون بشأن خطورته أبعد بكثير من هذا. إذ يخشى بعضهم إمكانية استخدامه في حرب نووية مدمّرة قادمة، من دون إثبات من بدأها ومن دون أن يتحمّل أحد مسؤولية ما سيحصل لو تم شيءٌ كهذا، ذلك أن خطورة الذكاء الاصطناعي تكمن تحديدا في فقدان السيطرة عليه من مخترعيه، ما يعني أن البشرية تسير نحو حتفها بيدها، ففي ظل تغيير حرارة الأرض وعدم وجود خطط فعلية وحقيقية لإنقاذها، أليس ممكنا أن يرث العقل والذكاء الاصطناعي ما يتبقّى منها ويقاوم الفناء الذي سيطاول البشر؟

رغم أن إضراب ممثلي هوليوود يأتي من مصلحة آنية إلا أنه صرخة للمستقبل، للتنبيه إلى خطورة ما يتم فعله في عالمنا الحديث، وهو، في كل حال، دور النخب الثقافية والفنية والعلمية، إكمالا لمسيرة الرؤية الفنية التي تقدّمها السينما والفن في العالم. يبقى أن ينتبه النجوم العرب إلى هذا الدور، علهم يكتشفون أين مكانهم الحقيقي مما يحدُث في عالمنا الحديث بدلا من أوهامهم عن أنفسهم.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.