ارتفاع أسعار النفط والغاز يهدّد دولاً ويقرر مسار النفوذ العالمي

ارتفاع أسعار النفط والغاز يهدّد دولاً ويقرر مسار النفوذ العالمي

19 أكتوبر 2021
ناقلة غاز طبيعي مسال تمر عبر خليج البسفور التركي (Getty)
+ الخط -

قبل أسبوعين فقط من اجتماع كبار قادة العالم في مؤتمر"التغير المناخي"، في مدينة غلاسكو الاسكتلندية شمالي بريطانيا، تواصل الطاقة الأحفورية تحدّي سياسات الطاقة النظيفة، إذ ترتفع أسعار الغاز الطبيعي بمستويات جنونية، وسط الطلب المرتفع في آسيا وأوروبا، وتتبعها أسعار النفط التي باتت تتجه نحو 100 دولار للبرميل، وربما تصل إلى هذا الرقم قبل نهاية العام الجاري، وفق توقعات العديد من خبراء النفط وبنوك الاستثمار العالمية، ومنها غولدمان ساكس.

وتجاوزت أسعار خام برنت في التعاملات الآجلة لعقود ديسمبر/كانون الأول حاجز 85 دولاراً، بينما تجاوزت أسعار خام غرب تكساس في عقود نوفمبر/تشرين الثاني حاجز 83 دولاراً، حسب بيانات بلومبيرغ للأسعار، صباح أمس الاثنين.

ومن غير المتوقع أن تتوقف ارتفاعات أسعار الطاقة الأحفورية التي أعادت حتى الآن بعض دول أوروبا إلى التوليد من الفحم الحجري. ويقول خبراء طاقة، في هذا الشأن، إن صفقات الغاز الطبيعي والنفط ومشتقاته تشهد مضاربات محمومة وغير مسبوقة في الأسواق الدولية، بسبب النقص الكبير في الإمدادات، والطلب القوي في آسيا وأوروبا، ومخاوف الشتاء، وبالتالي يرشح خبراء مواصلة الارتفاع في الأرسعار.

وهو ما يعني عودة الطاقة الأحفورية إلى لعب دور رئيسي في رسم الاستراتيجيات الدولية والنفوذ الجيوسياسي العالمي، وربما رسم مستقبل السياسات الداخلية في الدول الكبرى في العالم.

ولا يبدو أن مؤتمر "التغير المناخي"، الذي سيُعقد في غلاسكو البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويشارك فيه قادة من 196 دولة، سيغير كثيراً في مشهد أسواق الطاقة العالمية المتعطشة إلى مزيد من الإمدادات.

على صعيد تداعيات الضغوط الاقتصادية والتأثير على المشهد السياسي العالمي، تتعرض الإدارة الأميركية الحالية منذ شهور لانتقادات حادة من قبل أعضاء الكونغرس، حول سياسات الطاقات البديلة، وما تسببه من تضييق على الكشوفات وتطوير الطاقة الأحفورية.

وحسب قناة "فوكس" التلفزيونية الأميركية، وقّع أكثر من مائة عضو في مجلس النواب الأميركي، الأسبوع الماضي، على خطاب مفتوح انتقدوا فيه سياسة الرئيس جو بايدن البيئية.

وقالوا، في الخطاب الذي وُجه للرئيس بايدن، إن "سياسة الطاقة الحالية ستعيد أميركا مرة أخرى إلى الاعتماد على استيراد النفط من دول أوبك وحلفائها... وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة".

وكانت الإدارة الأميركية قد طلبت، قبل شهرين، من منظمة "أوبك+" زيادة سقف الإنتاج لتلبية الطلب العالمي على النفط، وخفض أسعار المشتقات البترولية التي باتت تهدد بحدوث تضخم مفرط في العديد من الولايات الأميركية.

وحتى الآن، يستبعد خبراء الطاقة حدوث صدمة في النمو الاقتصادي الأميركي مثلما حدث من أزمات طاقة في السابق، ولكنهم لا يستبعدون تأثير أسعار الطاقة على النمو الاقتصادي الأميركي الذي لايزال هشاً، رغم ضخ نحو 5 تريليونات دولار في شرايينه خلال جائحة كورونا.

في هذا الشأن، يقول الاقتصادي في مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، بروس كاسمان، حسب تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" الأميركية، "إن ارتفاع أسعار الطاقة سيكون له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي الأميركي في الربع الأخير من العام الجاري".

وخلال الشهور التسعة التي مضت من العام الجاري، ارتفعت أسعار النفط بنحو 65%، بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 112%.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تواصل أسعار الوقود وفواتير الكهرباء زيادة العبء المعيشي على المواطن الأميركي، حيث ارتفعت أسعار الغازولين بنحو 1.10 دولار للغالون في المتوسط إلى 3.27 دولارات، لكن في بعض الولايات مثل كاليفورنيا بلغ سعر الغازولين أكثر من 4 دولارات للغالون.

وبالتالي، يرى خبراء أن هذه الأسعار المرتفعة ستدعم الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس المقبلة. ويرى نائب رئيس شركة الطاقة "آي أتش أس" الأميركية لأبحاث الطاقة، دانيال يورغين، أن "أسعار النفط عادة تقود إلى أزمات الطاقة العالمية، ولكن ما يجري الآن أن الغاز الطبيعي يقود الأزمة، وأن النفط يتبعه".

ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في آسيا إلى مستويات خيالية، من المتوقع أن تتجاهل الشركات المنتجة للغاز الطبيعي السوق الأميركي والأوروبي، خلال الشهور المقبلة، لحصاد أكبر أرباح ممكنة من التصدير للسوق الآسيوي. ويرى محللو "سيتي غروب" أن أسعار الطاقة ستكون لها تداعيات خطيرة في حال حلول شتاء بارد جداً، ليس فقط على دول أوروبا وآسيا، ولكن آثارها ستمتد كذلك إلى النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.

وسط هذه الاحتمالات، لا يستبعد محللون أن تقود سياسة بايدن البيئية إلى خسارة الحزب الديمقراطي للأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، في انتخابات النصف التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل، خاصة أن العديد من شركات الطاقة الكبرى والولايات النفطية مثل تكساس باتت تعترض بشدة على سياسة تقييد الاستثمار في الطاقة التقليدية. لكن آخرين يستبعدون ذلك.

وتواجه أميركا منذ شهور ارتفاعاً في التضخم الذي يعود جزء كبير منه إلى ارتفاع أسعار الوقود وفواتير الكهرباء والغاز.

وفي أوروبا التي تعاني من أزمة عنيفة في إمدادات الغاز الطبيعي دفعتها إلى العودة للفحم الحجري، تواجه العديد من دولها احتجاجات كبرى على ارتفاع فواتير الكهرباء والوقود، وربما تقود تدريجياً إلى تغيير بعض الأحزاب الحاكمة في دول مثل إسبانيا وبريطانيا والبرتغال وفرنسا، وترفع من رصيد الحركات الشعبوية. كما من المتوقع أن تهدد ارتفاعات أسعار الوقود والكهرباء معادلة التعايش الاجتماعي والتحالفات الهشة الحاكمة في العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

وفي بريطانيا مثلاً، تتوقع هيئات المجتمع المدني التي تراقب أسعار الطاقة، ارتفاع فاتورة الوقود على الأسر في المتوسط بنحو 139 جنيها إسترلينيا في العام الجاري، إلى نحو 1271 جنيها إسترلينيا، وهو ما يمثل ارتفاعاً في أسعار الطاقة بنسبة 12%.

وترى مؤسسات خيرية، مثل "أوكسفام"، أن نحو 15 مليون أسرة في بريطانيا ستعاني من ارتفاع كلف الكهرباء والوقود خلال العام الجاري، وربما تكون بحاجة إلى مساعدات مالية.

على صعيد المشهد الجيوسياسي العالمي، تمنح أسعار الطاقة المرتفعة دولاً مثل روسيا مزيداً من النفوذ السياسي على القرار الأوروبي، عبر التحكم في إمدادات الغاز الطبيعي. ويلاحظ أن واشنطن رضخت أخيراً للضغوط الألمانية وسمحت بإكمال مشروع "نورد ستريم 2" الذي يضاعف إمدادات الغاز الروسي لألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً.

وبالتالي، يتوقع محللون أن تقود ضغوط إمدادات الطاقة في أوروبا إلى زيادة النفوذ الروسي في القرار الأوروبي. كما أن النقص الكبير الذي تعاني منه بكين سيساهم في تعزيز التحالف بين روسيا والصين ضد التحالف الغربي خلال الأعوام المقبلة.

في هذا الشأن، لاحظ محللون أن بكين التي تعيش مرحلة من التوتر الشديد مع واشنطن بشأن سياسة "الصين الواحدة" التي تشمل تايوان وتنوي ضمها في المستقبل القريب، تتفاوض مؤسساتها الحكومية مع شركات الطاقة الأميركية على عقود إمدادات غاز مسال طويلة الأجل، حتى تتمكن من تلبية توليد الطاقة النظيفة، والإيفاء بالتزامات خفض التلوث البيئي التي تعهد بها الرئيس شي جين بينغ في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

وحتى الآن، ساهم ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في تحسين معدلات النمو الاقتصادي في دول النفط والغاز الطبيعي، ولكنها رفعت من الضغوط المالية على الدول غير النفطية، وربما تقود إلى مزيد من الاحتجاجات الشعبية في الدول الفقيرة.

ويرى محللون أن ارتفاع أسعار الطاقة ربما يصب في صالح طهران التي ستبدأ المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة خلال الشهر المقبل. حيث إن الإدارة الأميركية بحاجة إلى إلغاء الحظر على صادرات الطاقة الإيرانية، لفك اختناقات الطاقة في أوروبا ودول آسيا الصديقة التي تعتمد عليها في محاصرة التمدد الصيني.

المساهمون