"الفضاءات العامة في الأردن": بين التنظير والممارسة

"الفضاءات العامة في الأردن": بين التنظير والممارسة

28 سبتمبر 2021
(وسط البلد في عمّان عام 1957، Getty)
+ الخط -

اختُتم في "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" بعمّان، أمس الإثنين، برنامج "الفنون والمستقبل الحضري المستدام" بلقاء جمع رؤية نظرية قدّمها الباحث عبد الله البياري، وإضاءة على مشاريع لعدد من الفنانين تحت عنوان "حوار عن الفن والفضاءات العامة في الأردن".

اللقاء الذي أقيم بالتعاون مع "معهد غوته" في العاصمة الأردنية، سعى إلى الإجابة عن مجموعة تساؤلات مثل: هل الفضاء العام؛ عامّ؟ مَن الذي يمثّله هذا الفضاء ومن لا يمثله؟ ومن له الحق في تشكيل هذه العمومية؟ وما مساحة الفنون والثقافة في هذه الفضاءات المدينية؟ 

في مداخلته "عن العلاقة بين المدينة والنص والجسد"، يحاول البياري تفكيك العلاقة بين المكان والأبجدية من خلال نموذجين بنائيين أساسيين: العمارة والنص، بواسطة قراءة ظاهراتية ودلالية  للجسد وحركته في المدينة، باعتباره ديالكتيكاً أو/ وآلية كتابة وإعادة ‘نتاج للمكان والنصّ معًاً.

وينطلق من ثلاث فرضيات؛ الأولى حول إمكانية قراءة العمارة والعمران (وبالتالي كتابتها) نصّياً باعتبارهما من الظواهر الاجتماعية؛ أي هل يمكن للاجتماعي أن يولّد نصّاً، وعليه، ما هي آثار نظريات كـ"موت المؤلف" و"انهيار السرديات الكبرى" على المدينة؟

يحاول البياري تفكيك العلاقة بين المكان والأبجدية من خلال نموذجين  بنائيين: العمارة والنص

وفي الثانية، يستند إلى اللغة وقوانينها في إمكانية تتبع مادية اللغة (جان جاك لوسركل) وتحوّلاتها من خلال علاقة الجسد بها، وبالنظر إلى اللغة بما هي نظام مجرّد، وأنها المادة الخام للنصوص، تنتج العلاقات النصّية للغة أماكن متخيّلة أدبياً، وعليه فإن المدينة ــ بما هي نصّ مادّي ــ إنما هي ظاهر النص اللغوي، وعليه يحدث التقابل بين الحرف والحجر.

أما الثالثة، فتختبر العلاقة بين المكان/ المدينة والجسد، وهي العلاقة الموازية للنص والحرف، فحركة الحرف في النص تغيّر المعنى وتُخلخِل بنية العلاقات النصية، كذلك الجسد وحركته في المكان/ المدينة. 

يبني البياري مقاربته الرئيسية في مسارين أساسيين، هما: المسار اللغوي بكامل ماديته وفراغيته؛ والمسار العمراني/ المعماري بكامل رمزيته وسيميائيته، حيث يرى أنه "برغم ظاهر الانفصال بينهما، إلّا أن تقاطعهما حادثٌ أساسي"، ما يدفع إلى فحص ثنائية الحجر والحرف معاً، وأثرهما على الجسد، باعتباره ديالكتيكاً بينيّاً لهما، أو بالأصحّ، الجسد هنا هو أثر اللغة/ الحرف والعمارة/ الحجر، واستعارتهما الأساسية في آن!

ويستشهد في قراءته بـ"النمو الكبير في مهنة الطب الذي عاشه القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، نتيجة حدثين أساسيين، منبثقين من المسار العمراني واللغوي، والجسد بينهما: الأول هو نموّ المدن، بما هو حدث عمراني مديني؛ والثاني تطوّر نظريات المعرفة الطبية، نتيجة ما أسماه الدارسون المحدثون بحركة الترجمة، ضمن دراستهم للكتابة وأشكال التعبير في القرون الوسطى، وهو حدث لغوي. لعلّنا هنا نتذكر مقولة أفلاطون: "المدينة حدثٌ لغويّ"، ونضيف، هل ثمة مدينة (حدث) وتمدّن (سيرورة) من دون جسد؟".

يُكمل: "لعلّ أشكال الكتابة والخطاب في التاريخ العربي الاسلامي هي انعكاس لأشكال المدن، فالكتابة والمدينة بنى سلطوية. ألم تبدأ بغداد كشعاع دائري مركزه قصر الخليفة ومقرّ حكمه ووزرائه؟ بغداد المدينة/ المكان/ العمران/ المعمار، التي ارتبطت بعصور التدوين الكتاب/ اللغة/ الاستعارات. كان على كلّ دولةٍ، لتؤسّس لنفسها شرعية وحكماً، أن تبني خطاباً ما. لذا، لزم منبر (فضاءٌ) ما لهذا الخطاب".

وشارك في اللقاء أيضاً أربعة ممارسين فنيين وثقافيين هم: أمير مسعود وإليزا غولدوكس عن مبادرة "جلسات زونا"، وجود التميمي، ورين شالمان عن "استوديو 8"، عرضوا تجاربهم في تنفيذ المشاريع والمداخلات الفنية في الفضاءات العامة في عمّان، وما واجهوه في هذه المشاريع من تحدّيات، مع النظر إلى الحلول الإبداعية التي طوّروها لتجاوزها. 
 

المساهمون