فوبيا قصر القامة في الصين

20 سبتمبر 2021
يضحكون لأخذ صورة في المدرسة (هاو كنيونغ/ Getty)
+ الخط -

يسود اعتقاد في الصين بأنّ الأطفال قصار القامة سيجدون صعوبة في العثور على وظيفة عندما يكبرون. لذلك، دأب عدد كبير من الأباء خلال السنوات الأخيرة على إعطاء أطفالهم هرمونات النمو لجعلهم أطول، إذ يشعر هؤلاء بقلق شديد على مستقبل أبنائهم في ظل بيئة عمل شديدة التنافسية. وكانت إحدى العيادات الطبية المتخصصة في شنغهاي قد كشفت أخيراً أنها تلقت خلال العامين الماضيين عدداً قياسياً من طلبات الأسر لحقن الأطفال، وصل إلى خمسمائة طلب خلال شهر واحد فقط.
حالة القلق هذه ساهمت في ازدهار سوق هرمونات النمو الأميركية المستوردة، بتحقيق إيرادات بلغت خلال العام الماضي 7.7 مليارات يوان (نحو 1.19 مليار دولار أميركي). أما بالنسبة للشركات المحلية، فقد حققت شركة "جيني ساينس"، الرائدة في مجال هرمونات النمو في الصين، إيرادات بلغت قيمتها 923 مليون دولار أميركي عام 2020.
مع ذلك، قوبل هذا التوجه باعتراضات من خبراء رأوا أنّ حقن الأطفال بهرمون النمو الصناعي من شأنه كسر توازن الهرمونات الأخرى في الجسم، فضلاً عن أعراض جانبية قد تؤثر على الحالة الصحية والنفسية لدى الأطفال. وتحدث حقوقيون عن انتهاكات بحق الطفولة على اعتبار أن الطفل لا يملك قراره، وقد يُجبر على أخذ هذا النوع من الهرمونات.

ويخوض ديانغ ده صراعاً مع زوجته بصورة يومية لإقناعها بضرورة حقن ابنتهما البالغة من العمر 9 سنوات بهرمون النمو، إذ يعتقد أنّها تُعاني من قصر في القامة مقارنة بأبناء جيلها وزميلاتها في الفصل. إلا أن زوجته سونغ تعارض الفكرة تماماً، وتقول إن ابنتها (119 سنتمتراً)، ما زالت صغيرة وستنمو في المستقبل القريب بشكل طبيعي من دون أي هرمونات أو تدخل طبي. ويعرب ديانغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن مخاوفه من تعرّض ابنته للتنمر في فصلها الدراسي لأنها قصيرة القامة، قائلاً إنه استشار طبيباً مختصاً أكد له نجاعة الهرمون. في الوقت نفسه، يلفت إلى أنه لا يرغب في حقن ابنته من دون موافقة الزوجة، على اعتبار أن مثل هذا القرار يجب أن يؤخذ بالتوافق بين أفراد الأسرة كي لا يتحمل أحد بمفرده المسؤولية عن أي ارتدادات محتملة.
في المقابل، تقول سونغ إن زوجها مسكون بالأوهام ويعتقد أن ابنته لن تحصل على وظيفة ملائمة نظراً لقصر قامتها، مؤكدة أنها على ثقة تامة بأن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا العناء والخوف، لافتة إلى أن عدداً كبيراً من زميلاتها في المدرسة أقصر منها، وهي لا تزال في التاسعة، وأمامها وقت طويل وكاف لتكبر وتنمو وتحقق نجاحاتها وأحلامها بغض النظر عن طول قامتها أو قصرها.
ويحذر الطبيب في مستشفى بكين التخصصي للأطفال لي وان تشي من خطورة حقن الأطفال بهرمون النمو من دون كشف طبي كامل على حالة الطفل الصحية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ بعض الآباء يفضلون اللجوء إلى عيادات متخصصة لتجاوز الإجراءات الطبية الروتينية قبل عملية الحقن، الأمر الذي قد تترتب عليه مخاطر كبيرة على حياة من يعانون من أمراض معينة، مثل السكري والقلب وفقر الدم.
يتابع أنه منذ مطلع العام الحالي، بدأت بعض المستشفيات تشترط موافقة الزوجين لحقن الطفل، لأنّه في بعض الحالات التي ظهرت عليها آثار جانبية غير محمودة، حُررت قضايا في المحاكم ضد الأطباء اتهمتهم بالتواطؤ وعدم تقديم مشورة واضحة لأولياء الأمور قبل الإقدام على هذه الخطوة.

ترافق طفلتها إلى المدرسة (دونخو فانغ/ Getty)
ترافق طفلتها إلى المدرسة (دونخو فانغ/ Getty)

وعن طبيعة الهرمون، يوضح لي أنه "سائل يُقدم للمريض في حقنة تؤخذ على دفعات، تصل قيمتها إلى نحو 1800 دولار أميركي". يضيف أن "الحقنة تساعد على نمو طول الطفل بمقدار 3 سنتيمترات على مدار خمس سنوات، ويستحسن أن يُحقن الطفل في عمر مبكر، لتكون النتيجة فعالة ومضمونة"، لكنه يشدد على ضرورة أن يكون الطفل بالفعل قصير القامة، معتبراً أن "الهرمون ليس ترفاً للأصحاء والأثرياء، بل علاج يُمنح ضمن وصفة طبية وحاجة ملحة".
من جهته، يوضح الباحث القانوني لين تشو أن حقن الأطفال بهرمون النمو مسألة تتعارض مع القانون، لكن عناصر الإدانة لا تكتمل ما لم يرفع الطفل قضية على أهله، وهذا أمر مستبعد بطبيعة الحال، لعدم دراية المريض بتداعيات وخطورة مثل هذه العملية على صحته، فضلاً عن أن نسب فشل عملية الحقن متدنية جداً. وبالتالي، لا تستطيع أي سلطة قضائية أن تمنع هذا الأمر من ناحية قانونية.
يضيف لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك حالة واحدة يمكن أن يتدخل فيها القضاء إذا ثبت تصنيع هرمونات من دون مستوى المعايير الطبية المحددة وفق لوائح الدولة. ويشير إلى أن الصين لديها تجارب عدة مع قضايا من هذا النوع، مثل قضية الحليب المغشوش عام 2008، وغيرها من القضايا التي تمس الصحة العامة للأطفال.

وبحسب بيان صادر عن اللجنة الوطنية للصحة في الصين، فقد زاد متوسط قامات المراهقين بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وذلك لأن تحسينات نوعية طرأت على حياة الصينيين في أعقاب إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ما سمح لمزيد من العائلات بالحصول على العناصر الغذائية اللازمة لتعزيز النمو. يشار إلى أن متوسط طول الذكور البالغين في الصين يبلغ 165 سنتيمتراً، والإناث حوالي 147 سنتيمتراً، وهو معدل أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 177 سنتيمتراً للذكور، و163 سنتيمتراً للإناث.

المساهمون