الصين: نظام الضمان يزيد الفوارق الاجتماعية

الصين: نظام الضمان يزيد الفوارق الاجتماعية

11 يوليو 2021
غالبية أطفال الصين يُترَكون مع أجدادهم في الأرياف (جيري ريدفيرن/ Getty)
+ الخط -

سونغ لي يوان، صينية تعمل في حضانة أطفال في العاصمة بكين، وزوجها يانغ يشتغل في سوق للخضار بمدينة كوانجو (جنوب). يتحدر كلاهما من مقاطعة فوجيان، حيث يعيش بعيداً عنهما طفلهما الوحيد البالغ 9 أعوام، الذي تتولى جدته رعايته.
تقول سونغ لـ "العربي الجديد": "لم أستطع جلب ابني إلى المدينة، لأنه لا يتمتع هنا بميزات الضمان الاجتماعي على صعيد الصحة والتعليم. لذا، ظلّ إلى جانب جدته في الريف، ويواصل تعليمه في الصف الثالث الابتدائي، وأزوره في كل فرصة تتاح لي. وقد جاء خلال عطلة عيد الربيع الماضي مع والده إلى بكين، وقضينا أسبوعاً معاً".
يُعتبَر نظام الضمان الاجتماعي في الصين أحد أكثر الأنظمة الاجتماعية تعقيداً، بسبب العدد الهائل للسكان البالغ 1.4 مليار، والفوارق الاجتماعية والطبقية، في ظل دولة اشتراكية تمارس كل أنواع الرأسمالية. 
ولا يسمح هذا النظام بتمتع المواطنين بميزات الرعاية الاجتماعية إلا في مسقط رأسهم. ولأن نمط الحياة الصناعية يفرض مغادرة السكان الريف للعمل في المدن، يترك الأزواج المغادرون ملايين الأطفال برعاية الأجداد في الريف.
وتشير إحصاءات صينية حديثة إلى أن أكثر من 65 مليون طفل يترعرعون في الأرياف بلا رعاية الأبوين، ما يمثل نحو 25 في المائة من إجمالي عدد الأطفال في البلاد.

وفعلياً شهدت الرعاية الاجتماعية في الصين مراحل وتغيرات مختلفة عبر التاريخ. فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين، تكفل الحزب الشيوعي باحتياجات المجتمع من خلال مشاريع زراعية وشركات تملكها الدولة. 
وفي ظل سياسة الإصلاح والانفتاح التي انتهجتها الصين عام 1978، أصبحت وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي مسؤولة عن نظام الرعاية الاجتماعية، لكنها كانت تقتصر على سكان المدن فقط، بينما توجب على سكان الريف إعالة أنفسهم. 
ولم تطرأ تغيرات على النظام إلا عام 1994، حين قدمت الحكومة نظام رعاية أكثر شمولاً. وفي عام 2014، أعلن الحزب الشيوعي إصلاحات جديدة هدفت إلى تعزيز وصول مواطني الريف إلى البرامج الاجتماعية الحضرية.
ويُعرف الضمان الاجتماعي في الصين باسم "خوكو"، ويسمح بالوصول إلى برامج تقدمها الحكومة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف ومعاشات التقاعد وصندوق الإسكان، شرط أن يحصل ذلك في مسقط رأس الفرد.

تقول الباحثة الاجتماعية في مركز بكين لرعاية الطفولة، شياو مينغ، لـ "العربي الجديد": "خلق انحسار تطبيق نظام الضمان الاجتماعي في الأقاليم مجموعة تناقضات اجتماعية بين المناطق، أهمها بين الريف والمدن، حيث يتمتع السكان بأنظمة رعاية متقدمة، في مقابل حرمان سكان الريف التعليم والرعاية الصحية المتقدمين، ومعاناتهم من التفكك الأسري، لكونه نتيجة حتمية لهجرة العمال إلى المدن الكبيرة".
وتضيف: "في نهاية المطاف، يدفع الأطفال المتروكون في الريف ثمن افتقارهم إلى رعاية أسرية متكاملة، علماً أن الأرقام الصادرة عن وزارة التنمية تشير إلى أن نحو 47 في المائة من أطفال الريف لا يتجاوزون السادسة من العمر، وأن 68 في المائة منهم لا يرون آباءهم إلا مرة واحدة سنوياً. ويعني ذلك أن الوضع الراهن للأطفال حرج جداً، ويسبب لهم أمراضاً نفسية خطرة، أبرزها الاغتراب الاجتماعي والفتور العاطفي نحو الآباء، وتفكك مفهوم الأسرة".
وترى شياو مينغ أن استمرار اقتصار الضمان الاجتماعي على الأفراد في مسقط رأسهم من دون مراعاة الفوارق الاجتماعية بين سكان الريف والمدن قد يفاقم الأزمة، ويخلق جيلاً مشوّهاً عاطفياً واجتماعياً، خصوصاً أن الدولة لا تستطيع إلزام الآباء برعاية الأبناء، لعدم توافر بدائل تسمح باستمرار تدفق الأيدي العاملة إلى المناطق الحضرية".
في يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتأمينات الاجتماعية في الصين عزمها على تحسين بنود الضمان الاجتماعي عبر اعتماد مستوى واحد من الميزات بين التأمين والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف والمناطق الحضرية معاً، في إطار الخطة الخمسية الرابعة عشرة لتنمية الموارد البشرية.
وتسعى الخطة إلى خلق أكثر من 50 مليون وظيفة جديدة في المناطق الحضرية، مع إبقاء معدل البطالة أقل من 5.5 في المائة، ورفع سنّ التقاعد إلى 65 عاماً، بأمل أن يساعد ذلك في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وجمع مزيد من الأموال لنظام معاشات التقاعد، علماً أن صندوق الضمان الاجتماعي الوطني في الصين يعاني من عجز مقداره 740 مليار يوان (112.9 مليار دولار أميركي)، بعدما خفّضت السلطات مساهمات الشركات الحكومية الكبرى لمساعدة الشركات المتضررة من فيروس كورونا. 
لكن مراقبين يرون أن الخطة ركزت على أزمة الشيخوخة على حساب حل مشكلة أطفال الريف، وتوقعوا أن تنخفض القوة العاملة في البلاد بمقدار 35 مليوناً خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تنامي الأزمة الديموغرافية، ما يزيد الضغط على نظام التقاعد الحكومي، ويجبر بكين على تبني إجراءات جديدة لمواجهة التحدي الديموغرافي. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكانت الحكومة قد أقرّت سابقاً بأن وجود أكثر من 40 مليون متقاعد جديد خلال العقد الأخير، سيخفض القوى العاملة في شكل لا سابق له، ما جعل خبراء يحذرون من أن "بكين يجب أن تتخذ إجراءات عاجلة ضد انخفاض قوة العمل وتزايد الشيخوخة في المجتمع، التي يتوقع أن تؤثر في التقدم الاقتصادي وعجلة النمو في المستقبل المنظور، ما يعني المزيد من انشغالها في ملفات تتقدم في سلّم أولوياتها على تلك الخاصة بمسألة التماسك الاجتماعي ومستقبل الأطفال المظلم على هامش الحياة الصناعية".

المساهمون