السينما الهندية: إمبراطورية تزعزع عرش هوليوود

السينما الهندية: إمبراطورية تزعزع عرش هوليوود

20 يونيو 2021
صارت هوليوود تؤجل إصدار أفلامها خوفاً من تأثير السينما الهنديّة (كيت جيلون/Getty)
+ الخط -

تُشكّل السينما الهندية اليوم إمبراطورية بصريّة، تستحوذ على وجدان الجماهير في العالم العربي، بحكم ما راكمته من أفلامٍ ومسلسلات وبرامج، وما لديها من صالات سينما وشركات إنتاج واستوديوهات تصوير، وأخرى للتوضيب، وصحفٍ ومجلاّت متخصّصة في الشأن السينمائي الهندي.

إمبراطورية سينمائية مُستقلّة عن القطاعات الأخرى. سوق فنّية مُتعدّدة المشارب الإبداعية والرؤى والأهداف والقنوات والوسائط البصريّة، تُساهم ضمنياً في تمرير المُنجز السينمائي، وفي جعله يخترق الواقع الهندي، إلى جغرافيات أخرى خارج القارة الآسيوية، وصولاً إلى دول الخليج العربي، التي أضحت مؤخّراً مُختبراً حقيقياً للسينما الهندية، إنْ بتصوير أفلامٍ سينمائية وبرامج فنيّة، أو بإنشاء فروعٍ لشركات خاصّة بالإنتاج السينمائي الهندي، أو باستقرار بعض نجوم بوليوود في مدنها، بسبب شركاتٍ ومشاريع يتوفّرون عليها في هذه المنطقة.

اقتحام السينما الهندية مخيّلة العالم لم يحدث عبثاً أو بشكلٍ عشوائي، فهذا مُخطّط له منذ منتصف القرن الـ20، عندما تنبّهت شركات الإنتاج للدور المهمّ للسينما الهندية في العالم، إزاء مجتمعٍ يلفظ قيمه وأخلاقياته، ويتنصّل تدريجياً من الالتزام السينمائي، للدخول في مجال الترفيه والاستهلاك.

هذا الأمر، بقدر مساهمته في تأجيج السينما الهندية كَمّاً، ساهم إلى حدّ كبير في هزال وضحالة فيلموغرافيتها، في الأعوام العشرين الأخيرة: تكرار واجترار وتدوير وسطحية، تكاد لا تخلو منها الأفلام الهندية الجديدة، فالترفيه ـ المُستنِد على الإكسسوارات والموسيقى الإلكترونية والرقصات المعاصرة ـ بات يُمثّل صناعة قائمة في السينما الهندية، ويكسب نجاحاً في الصالات العربية، لا كانتصار جماليّ، بل كخلاص ذاتي، يُحرّر المواطن المغاربي من بؤس الواقع المنتمي إليه فيزيقياً، مُقارنة بحجم الإبداع، الذي طَبَعَ الأفلام الهندية في سبعينيات الـ20 وثمانينياته.

لكنْ، أنْ تُصبح الهند إمبراطورية سينمائية تخترق العالم، تدفع نجوم هوليوود إلى تأجيل إطلاق عروض أفلامهم الجديدة في صالات دول كثيرة، خوفاً من التأثير السينمائي الهندي التجاري عليها (في حال تزامن هذا مع إطلاق أفلامٍ لشاه روخان أو أميتاب باتشان أو سلمان خان)، فهذا لا يُصدَّق، لكنّه يدعو ـ في آنٍ واحد ـ إلى رصد التحوّل، نظراً إلى السبق التاريخي لهوليوود، وحجم استوديوهاتها، ومتانة وسيطها الإعلامي، وتدفق وتيرة إنتاجاتها، ورساميلها المالية، وهذا كلّه يُساهم يومياً في تغذية السينما الأميركية في العالم.

تحوّلات عدّة للسينما الأميركية، جعلتها تتشابه إلى حدّ كبير بالسينما الهندية، في البعد الترفيهي، وسذاجة مواضيع وابتذال أخرى

رغم ما يقول به زملاء مهنة كثيرون، عن متانة الفيلم الأميركي مُقارنة بالفيلم الهندي، ظهر ـ في الأعوام الأخيرة ـ وعي نقدي جديد، ينتبه إلى تحوّلات عدّة للسينما الأميركية، جعلتها تتشابه إلى حدّ كبير بالسينما الهندية، في البعد الترفيهي، وسذاجة مواضيع وابتذال أخرى. هذا الاكتساح العارم والمُستمر للسينما الهندية يجعلها تتفنّن في صنع وإنتاج واختراع برامج، تبدو أسطورية نظراً إلى الإنتاج السينمائي العربي، الغارق في شحّ الموارد والمُؤسّسات، ووفرة الرقابة. إذْ يُسجّل المُشاهد، منذ التسعينيات الماضية، بروز ظاهرة مهمّة في الهند: أفلامٌ تُصوَّر في مومباي أو نيودلهي أو كالكوتا أو غوا أو كشمير، وفي الوقت نفسه هناك فرق مكلّفة بتصوير كواليس الأفلام، وإجراء مقابلات مباشرة مع المُمثلين والمخرجين وكُتّاب السيناريو.

في البداية، كان فريق تصوير الفيلم ينجز هذه المهمّة، لعرض بعض المُصوَّر منها نهاية الفيلم، أو لبيعها لوسيط تلفزيوني أجنبي. في الآونة الأخيرة، لم تعُد المهمة ملقاة على هذا الفريق، إذْ أضحت صناعة قائمة بحدّ ذاتها، لها فرق متخصّصة تتعامل مع قنوات تلفزيونية وطنية، ويتمّ توضيب المادة البصريّة على شكل برامج خاصّة (ماكينغ أوف).
صحيح أنّ هذا موجود في السينما الأميركية. لكنّ المهمّ أنّه صار حاضراً في الهند كصناعة ذات استثمار مادي للقطاع الخاصّ، الذي يُنعش سوق الفنّ الرسمي بقنواته وإعلامه ووسائطه. فـ"الماكينغ أوف" يُباع بأموال باهظة لقنوات تلفزيونية ومجلات بصرية وإلكترونية. المُثير في هذا أنّه لا يُعرض عشوائياً ضمن فقرات تلفزيونية كتثمينٍ لمُنتج بصريّ، لأنّها توضع في برامج فنيّة، بجمع حلقات كواليس الأفلام الجديدة، لعرضها في برنامج سينمائي خاصّ بهدف إضفاء طابع الجدّية والاحتراف للمادة البصريّة المعروضة.

ما يُميّز البرامج الهندية، أنّها تُبث بطريقة تلقائية مُسترسلة، حيث تُصبح مُشاهدة كواليس فيلم هندي مُشاهدة حقيقة، إذْ تخلو من المقابلات في أمكنة التصوير، ومن كلّ تقطيعٍ وتلصيق للمَشاهد، التي تُترك كما هي، فيكتشف المُشاهد ويستمتع بأهم مراحل الفيلم، والأطوار الفنيّة والجماليّة التي يمرّ بها، والصعوبات التي تعترض تقدّم صنعه، بالإضافة إلى صعوبة تجميل وتأثيث أمكنة التصوير، وأداء الأدوار وما يطبعها من تشنّج وسخرية وضحك. مُشاهدة حقيقية، ومتعة بصريّة لا تُقاوم، إذْ يشعر المُشاهد كأنّه عنصر من الفريق، يعرف كلّ مراحل التصوير، وصعوباته. من جهة أخرى، يمتلك المُشاهد فكرة عن طريقة تصوير بعض المَشاهد الصعبة، لا سيما الخيالية. وبالتالي، فبقدر ما تُحيطه علماً ومعرفة بعالم السينما، تُقرّبه منها، وتُمتّعه بمَشاهد الصداقة والعمل.

لكنْ، ماذا عن الناقد السينمائي؟
الناقد مُطالَبٌ بهذه المُشاهدة، لجانبها الترفيهي ولفهم خصوصية التصوير وبناء فضاءاتها وإكسسواراتها، وتحضير الممثّل. هذه العناصر تساهم في صنع لغة سينمائية خاصّة بالفيلم، تبدأ منه وتنتهي فيه، عوض الاقتصار على نظريات فلسفية، وسياقات تاريخيّة، وتحليل سيكولوجي وسوسيولوجي للشخصيات وخلفياتها، في الاجتماع. لذا، فمتابعة تصوير كواليس صنع الأفلام، لإنعاش وسائط الإنتاج السينمائي الهندي، تدعو إلى الفرح، بحكم التجديد الذي يطبع السينما الهندية، حتّى في أحلك فتراتها صمتاً وبؤساً، بعد توقّف التصوير، وإغلاق الصالات السينمائية الهندية أكثر من عامٍ، بسبب كورونا.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في هذه الفترة، ظلّت القنوات التلفزيونية تعرض برامج "الاحتياطي الخام"، من مواد تصوير كواليس الأفلام الجديدة، المصورة قبل إجراءات الإغلاق. تفكيرٌ كهذا يعكس طريقة اشتغال السينما الهندية، للتربّع على عرش السينما في العالم، رغم أنّها باتت كذلك، بفضل الكَمّ، وبسبب ارتباطها بأنواع فيلمية غزيرة ومتنوّعة المدارس والأشكال والقوالب والأساليب.

المساهمون