فرنسا: الاستقطاب يتصاعد بعد جريمة قتل مدرّس التاريخ

فرنسا: الاستقطاب يتصاعد بعد جريمة قتل مدرّس التاريخ

21 أكتوبر 2020
أفضت الحملات الأمنية ضد شخصيات وجمعيات إسلامية بعد الجريمة إلى زيادة منسوب التوتر (Getty)
+ الخط -

تتصاعد حالة الاستقطاب التي تعيشها فرنسا بعد جريمة قتل مدرّس التاريخ صموئيل باتي بقطع رأسه على يد لاجئ من أصول شيشانية، الجمعة الماضي، إذ جاءت إجراءات الحكومة والعملية الأمنية التي أطلقتها وزارة الداخلية ضد شخصيات وجمعيات إسلامية لتزيد من حالة التوتر القائمة، وسط تساؤلات كثيرة تُطرح عن مدى جدوى هذا التصعيد واحتمالات الانزلاق إلى وضع أسوأ.

وبينما نالت الحكومة والسلطات الأمنية دعماً كبيراً من الطبقة السياسية، وخصوصاً اليمين واليمين المتطرف، بدأت أصوات معارضة تحذّر من أن ما يحصل يهدد السلم في فرنسا، ويخلق جواً من الرعب سيوفر بيئة خصبة لتصاعد الحوادث العنصرية.

تلك الأصوات جاءت حتى من داخل حزب الرئيس "الجمهورية إلى الأمام"، إذ غرّد النائب وعضو لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي لويك كيرفران على "تويتر"، قائلاً: "كل شيء الآن مربك وضبابي، لأننا نخلط كل شيء (..) مكافحة الإرهاب هي مهنة تسمى الاستخبارات، فعاليتها تعتمد بشكل دقيق على القدرة على التمييز والتعرف على العدو ومن ثم منعه (..) دعونا نتوخى وطأة المزيد من تشويه الخطاب العام، من جعل الناس يعتقدون أن حل/حظر (الجمعيات) سيجنبنا أي هجوم آخر. دعونا نتوخى الحذر أيضاً، لأن أسوأ شيء هو عدم قدرة سيادة القانون لدينا على تنفيذ هذا القرار أو ذاك". 

وكان "مرصد العلمانية في فرنسا" وهو هيئة بمجلس الوزراء، هدفاً غير معلن، بحسب ما تصفه وسائل إعلام فرنسية، للحملة التي تطلقها الحكومة، إذ صدر قرار باستبدال مقرره العام نيكولا كادين، بتحريض من شخصيات سياسية اعتبرت أنه "مهتم بالدفاع عن المسلمين أكثر من اهتمامه بالعلمانية" بحسب ما كشفته مجلة "لوبوان" الأحد الماضي.

هذه المساعي لاستهداف إدارة "مرصد العلمانية" أثارت الاستنفار في صفوف عدد كبير من الأكاديميين، الذين وقعوا رسالة مشتركة أرسلوها إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، يعترضون فيها على قرار استبدال كادين.

وجاء في الرسالة: "إن المخاوف المشروعة للفرنسيين يمكن أن تؤدي إلى ارتباك من شأنه أن يقوي الخصم، نعتقد أنه في هذا الوقت من المهم جداً الحفاظ على الاتزان، لأنه شرط للحفاظ على سيادة قانون الجمهورية في مبادئها الأساسية للحرية والمساواة والأخوة. في هذا الصدد، نود كباحثين وأكاديميين نعمل في مجال العلمانية والحريات العامة والظواهر الدينية والأسس الرمزية للرابطة الاجتماعية، أن نعرب عن دعمنا الكامل للسيد جان لويس بيانكو رئيس مرصد العلمانية، ونيكولاس كاديين المقرر العام".

يرى بعض المحللين أن ماكرون يستغل الإجراءات الأخيرة للسلطات التنفيذية لضمان إعادة انتخابه أمام زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان

وحذّرت رسالة الأكاديميين من محاولات لزعزعة الاستقرار من جهات لم تسمها، وقالت: "ندرك بالإجماع العمل المفيد لجان لويس بيانكو ونيكولاس كادين على رأس مرصد العلمانية. فهو كبير وملموس على الأرض، ومن الضروري للغاية، في رأينا، أن يستمر هذا العمل ويتم دعمه علناً من قبل السلطات العامة ضد الهجمات الجائرة ومحاولات زعزعة الاستقرار".

ويرى بعض المحللين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقوم بتوظيف الجريمة ضد المدرّس سياسياً، باستغلال الإجراءات الأخيرة للسلطات التنفيذية لضمان إعادة انتخابه أمام زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022.

في هذا السياق، هاجم موقع "ميديا بارت" ماكرون ووزير الداخلية جيرالد درمانان. وقال في مقالة لستيفان آلييه، وكارين فوتو، إن فرنسا "تدخل في ثنائية جوفاء: هم ونحن، هم ضدنا". وحذر المقال من أنه "إذا لم يتم فعل شيء، فسيساعد الرئيس في اختلاق هذه النزعة الانفصالية التي يقول إنه يريد محاربتها. سيكون عليه أن يتحمل مسؤولية تأجيج الإذلال والاستياء بين الفرنسيين الذين يرون أنفسهم مستبعدين من المجتمع الوطني".

واعتبر الكاتبان أن ماكرون يقود "حملة من الجنون"، وذكّراه بمقابلة أجراها مع "ميديا بارت" في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، قال فيها إنه "من الجنون أن نحيي هذا النوع من النقاشات بمجرد وقوع هجوم". وأضاف المقال: "بدلاً من تأجيج أزمة الهوية من أجل الاستفادة منها بشكل ساخر، يجب أن يكون ما هو ملح الترويج لخيال بديل يهدف إلى حل الأزمات البيئية والاجتماعية والديمقراطية بشكل جماعي. هذا هو طريق العقل، والطريقة الوحيدة لحمايتنا، عندما تقودنا رياح الهلع هذه إلى الضلال، وتؤدي إلى الانقسام الذي لا يمكن إلا أن يضعف الجمهورية".

ومنذ حادثة مقتل باتي، سُجّل تصاعد في الحوادث العنصرية ضد المسلمين في فرنسا. وأعلن وزير الداخلية جيرالد درمانان، اليوم الأربعاء، أنه أصدر تعليمات إلى المسؤولين المعنيين بحماية مساجد مدينتي بيزييه وبوردو، بعد دعوات أطلقها أشخاص من اليمين المتطرف لحرق أماكن عبادة المسلمين في تلك المنطقتين.

منذ حادثة مقتل باتي، سُجّل تصاعد في الحوادث العنصرية ضد المسلمين في فرنسا

وتأتي هذه التطورات بعد مقابلة تلفزيونية، أجراها درمانان، ليل الثلاثاء، على قناة "بي أف أم" الإخبارية الفرنسية، أطلق خلالها مواقف مثيرة للجدل، حيث اتهمه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ببث خطاب تحريضي وعنصري ضد المسلمين، لإشارته ضمناً إلى "المنتجات الحلال" التي تباع في الأسواق، حيث قال إنه "عندما أدخل إلى مراكز التسوق وأرى منتجات لهذا المجتمع أو ذاك، أشعر بالصدمة".

في غضون ذلك، فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقاً قضائياً بتهمة "الشروع في القتل بسبب الانتماء إلى عرق أو دين محدد" في قضية تعرض سيدتين محجبتين للطعن في حديقة "شامب دو مارس" بالقرب من برج إيفل، يوم الأحد الماضي، وذلك بعدما استَبعد في البداية الدوافع العنصرية للمعتدين.

وقال محامي السيدتين أريه عليمي، إن المدعي العام في باريس قبل رسمياً، اليوم الأربعاء، تضمين تهمة "العنصرية بسبب انتماء الضحيتين إلى عرق أو دين محدد"، بعدما استبعدها أمس. ونقلت صحيفة "لوموند" عن عليمي قوله: "لا يمكن إنكار وجود صلة بالمناخ الذي تسببت به إجراءات الحكومة والطبقة السياسية من جهة، والحادثة من جهة ثانية"، معبراً عن خشيته من حدوث المزيد من هذه الأعمال.

في السياق، ندد "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام" بـ"إجراءات السلطات التي تستهدف دون وجه حق جمعيات مسلمة"، مشبهاً إياها بـ"بالحملة الصليبية التي تحمّل مسؤولية مقتل الأستاذ لكل المسلمين في فرنسا".

وأضاف الاتحاد في بيان: "نشهد اندفاعاً معولماً ضد المسلمين تقوده الحكومة الفرنسية في الأيام الأخيرة (..) إنها جريمة لا علاقة للإسلام كدين بها وهي تؤثر على المسلمين بالمقدار نفسه الذي تؤثر فيه على الفرنسيين".

واعتبر البيان أن "الهجمات الإرهابية انتصرت بسبب سماح الحكومة بانتشار الخطابات السامة ضد المسلمين والإسلام.. إنها نكسة للديمقراطية. إن الحظر المعلن على الجمعيات الإسلامية، بما في ذلك جمعية (البركة سيتي) الإنسانية، وجمعية مكافحة الإسلاموفوبيا، فضيحة موصوفة (..) إنه لمن المخزي أن ينسب إلى جمعية مكافحة الإسلاموفوبيا أي صلة بالتعصب الإجرامي، كل ذلك يحصل لخدمة مصالح بعيدة كل البعد عن قيم الديمقراطية".