ديون السودان... العقبة التي قوّضت نمو الاقتصاد

ديون السودان... العقبة التي قوّضت نمو الاقتصاد

10 أكتوبر 2020
الديون والعقوبات عطلت المنظومة المالية (فرانس برس)
+ الخط -

شكلت ديون السودان العامل الخارجي الثاني الذي شكّل عقبة ثقيلة أمام نمو الاقتصاد، بعد العقوبات الأميركية. الانتهاء من أزمة الديون لم تجد الاهتمام الجدي من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة، وتحولت من مجرد عمليات اقتراض إلى "قيود" كبلت البلاد وأهلها. وبالرغم من أن الحكومة الانتقالية ليست المسؤولة عن تراكم لديون الخارجية وعدم معالجتها، إلا أن المحللين يشددون على أنها لم تنظر إلى مسألة الديون الخارجية كقضية أساسية لانفتاح الاقتصاد والحصول على قروض واستثمارات جديدة.

هكذا، عزلت الديون الاقتصاد السوداني عن محيطه المالي العالمي، وفاقم الوضع وجود السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب التي حرمت استفادة البلاد من مسار الخيار الصفري مع دولة جنوب السودان ومبادرة إعفاء ديون الدول النامية المثقلة بالديون. فمعضلة تراكم الدين الخارجي جعلت من الاستحالة للسودان الاستدانة مرة أخرى من الصناديق الدولية لعجزه عن السداد.

وقال صندوق النقد الدولي إن ضخامة رصيد السودان من الديون الخارجية أثرت سلبا على آفاق التنمية، لافتا إلى أن العقوبات الأميركية فاقمت الأمر، ونصح الصندوق السودان بالتواصل مع الدائنين للمساعدة في حشد الدعم اللازم لتخفيف أعباء الدين.

تراكم المستحقات على السودان جعلته يقع تحت وطأة ما يعرف بـ "شرك الديون" وذلك يعني أن الديون استفحلت وأصبح من الاستحالة على الدول الفكاك منها.

وشرح المحلل الاقتصادي الشيخ آدم مختار، أن الدين الخارجي يشكل عبئا ثقيلاً على السودان لأن فوائد الدين ظلت تتراكم بصورة مركبة ومجحفة، خاصة مستحقات مجموعة نادي باريس. ومن جهة أخرى، أكد مختار أن القروض لم توجه إلى مشروعات التنمية والبنى التحتية، ما جعلها مجرد عبء.

ولفت إلى أن متلازمة الفساد وسوء الإدارة دفعت السودان إلى الاستدانة المفرطة دون تحقيق أي خطوات تنموية، مما أدى إلى كثير من المشكلات والحروب. وأشار مختار إلى أن القائمين على إدارة شؤون البلاد كانوا مطالبين بعدم الاكثار من القروض الخارجية على أن يكون التركيز على زيادة الإنتاج مع اعطاء المناصب للأشخاص المناسبين بعيداً عن الانتماءات الحزبية. واعتبر أن إعفاء السودان من الديون سيكون له أثراً إيجابياً على الشعب والحكومة معا لأن العديد من الدول ستتجه صوب السودان لفتح استثمارات جديدة في البلد المتعطش للتطور والتحديث.

 واعتبر الاقتصادي عثمان سوار الدهب في حديث سابق مع "العربي الجديد"، أن ديون السودان كانت في حدود 13 مليار دولار في عام 1989، وظلت ترتفع بالتزامن مع تراكم الفوائد، إلى أن جاء اكتشاف البترول وبدأ السودان تصديره في عام 1999، فتراجع حجم الديون، ليعود ويتزايد بعد انفصال جنوب السودان، ووصل اليوم إلى أكثر من 51 مليار دولار، تتضمن فوائد متراكمة وجزائية بسبب التأخر في السداد.

فيما قال وزير المالية الأسبق علي محمود، خلال حديث سابق مع "العربي الجديد" إن البنك الدولي وصندوق النقد مؤسستان غير مستقلتين، تتبعان سياسات الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا. ولفت إلى أن قرار إعفاء وتخفيف عبء الدين، منوط بمجموعة "الهيبك"، التي تعمل على إسقاط الفوائد وتخفيضها، على أن يسدد الدين خلال الأربعين عاماً المقبلة.

وشرح أن السودان مصنف من بين أكثر الدول الواقعة تحت الديون التي تجاوزت سقف "الهيبك" بحوالي أكثر من 200 في المائة، واستوفى الشروط الفنية الخاصة بالمعالجة، وما تبقى من خطوات يرتبط بقضايا سياسية حصراً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ووفق رصد "العربي الجديد"، يمكن إدراج ديون السودان في ثلاث قوائم رئيسة، تشمل دائنين متعددين، وقائمة لبنوك تجارية عالمية، وقائمة لقروض ثنائية بين السودان ودول عالمية تقسم عادة إلى فئتين لأعضاء نادي باريس وقائمة أخرى لأعضاء من خارج نادي باريس.

وتبلغ قيمة ديون السودان لصالح مجموعة "الدائنين المتعددين" حوالي 5.5 مليارات دولار وتشمل هذه المجموعة مؤسسات تمويل دولية وإقليمية من بينها المؤسسة الدولية للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق أوبك للتنمية الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومؤسسة أي أم أف المختصة بحماية الاستثمارات، والبنك الإسلامي للتنمية.

بينما الدائنون الثنائيون، وهي دول أقرضت السودان مباشرة، ينقسمون في فئتين، دول نادي باريس ودول من خارج النادي، وتبلغ قيمة مستحقات الدائنين الثنائيين حوالي 31.8 مليار دولار، منها 16.1 مليار دولار لدول أعضاء نادي باريس. وتشمل ديون نادي باريس كل من الدول الاتية: النمسا، بلجيكا، كندا، دنمارك، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اليابان، هولندا، النرويج، روسيا، اسبانيا، سويسرا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية.

بينما تشمل قائمة ديون السودان من غير أعضاء نادي باريس، الجزائر والصين وكرواتيا، التشيك، المجر، الهند، إيران، العراق، أيرلندا، الكويت، ليبيا، ماليزيا، سلطنة عمان، باكستان، بولندا، دولة قطر، رومانيا، السعودية، صربيا، تركيا، الإمارات.

أما ديون السودان التي تعود لبنوك تجارية دولية تبلغ قيمتها 5.9 مليارات دولار منها 64 مليون دولار قروض قصيرة، و4.6 مليارات دولار لنادي لندن، و1.2 مليار لآخرين وهم عدد كبير من حاملي الديون. وفي التوزيع الدقيق للمستحقات، تبلغ ديون الكويت على السودان 7.4 مليارات دولار، ونادي لندن تبلغ ديونه على السودان 4.6 مليارات دولار، وفرنسا 3.6 مليارات دولار، والسعودية 3.4 مليارات دولار، فيما الولايات المتحدة أقرضت السودان 2.5 مليار دولار، بينما النمسا تبلغ ديونها على السودان 2.4 مليار دولار.

لكنّ هناك دولا دائنة للسودان بيد أن مستحقاتها قليلة جدا مقارنة بغيرها. فأيرلندا دائنة للسودان بمبلغ 7.6 ملايين دولار، وهو مبلغ بسيط جدا في عالم الديون، بينما للمجر ديون على السودان تبلغ 17.9 مليون دولار، كما أن ديون روسيا على السودان تبلغ حوالي 23 مليون دولار.

ووضع صندوق النقد الدولي ديون السودان في خانة "الديون المتعثرة" وهو ما يعني تأهيل السودان للدخول في برنامج إعفاء الديون ضمن مبادرة "الهيبك".

بعد انطلاق الثورة السودانية وسقوط حكومة الإنقاذ بقيادة عمر البشير بعد ثلاثين عاما من الحكم، أيقن الجميع أن ثمة تحول كبير في حل مشكلة الاقتصاد السوداني.

التفاؤل ارتفع لحل معضلة الاقتصاد الخارجية، والتي تتمثل بإزالة السودان من قائمة الارهاب الأميركية واعفاء السودان من ديونه. لكن بعد شهور اتضح أن ذلك كان حلما بعيد المنال.

بعد تسلمه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في سبتمبر/ أيلول 2019، أعلن وزير المالية إبراهيم أحمد البدوي عن خريطة طريق لمعالجة ديون السودان الخارجية.

وأكد في أول مؤتمر صحافي أن أولى الخطوات ستكون متابعة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مبينا عمل وزارة المالية على بدء جدولة ديونها مع مؤسسات التمويل الدولية لجلب تمويلات جديدة، مشيرا إلى أن ديون السودان المستحقة لمؤسسات التمويل الدولية والتي تشمل البنك الدولي وصندوق النقد تبلغ حوالي 2.6 مليار دولار.

وقال البدوي حينها إن وزارة المالية أعدت ورقة عن الفقر لضمان حصول السودان على شروط إدراج اسمه في الدول الفقيرة المثقلة بالديون، مع بدء أصدقاء السودان في واشنطن عرض البرنامج الإسعافي والنهضوي للسودان لتأهيله للحصول على قروض ضمن الدول الخارجة من الصراع إلى السلام.

وكان من المتوقع عقد مؤتمر أصدقاء السودان والذي عقدت له جولات عديدة، في إبريل/ نيسان 2020 لكن جائحة كورونا ساهمت في تأجيله. عقد المؤتمر لاحقا عبر تقنية الفيديو، وجلب 1.8 مليار دولار بعضها مساعدات إنسانية، لكن التحول المهم كان منح صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين السودان حوالي 600 مليون دولار يدفعها السودان لصناديق التمويل الدولية للحصول على خط اقتراض جديد.

المساهمون