الميلاد الأوروبي: موسم الإنارة والهدايا والعطاء

الميلاد الأوروبي: موسم الإنارة والهدايا والعطاء

15 ديسمبر 2014
اعتباراً من بداية نوفمبر تبدأ الشوارع الأوروبية التزيّن(سيفا كاراكان/الأناضول)
+ الخط -
ليس لشجرة عيد الميلاد أي ارتباط بطقوس دينية، هي مجرد تقاليد وعادات تحوّلت مع الزمن إلى ثابت من ثوابت الاحتفال به. قبل بزوغ المسيحية، كانت القبائل تقدم الأغصان والشجيرات كقرابين للأرباب التي اعتقدوا بوجودها، وفي دول الشمال الباردة كانت تلك الأغصان، بعد اعتبارها قرباناً، تشعل فيها النيران للتدفئة. 

وتعود جذور شجرة الميلاد إلى ألمانيا، فرغم اختلاف الروايات عن أنها من أراضي "تيرا ماريا"، أو أراضي العذراء مريم، وهي ليتوانيا واستونيا في البلطيق حالياً، في القرن الثالث عشر، فالقصة التي يجمع عليها معظم الأوروبيين تتعلّق بمارتن لوثر الذي وضع شجرة خضراء في بيته ومشعلاً شمعة عليها ترمز إلى نجم بيت لحم. ويخبر البعض في كتابات قديمة بأنه في عام 1605 وجدت أول شجرة ميلاد في جنوب ألمانيا في صالونات أحد المنازل، وجرى تزيينها بالأزهار والأوراق الملونة والتفاح والسكاكر المعلقة. تقليد بدأ في الانتشار بشكل كبير في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

التفسير الذي يقدم حول شجرة الميلاد الخضراء أنها ترمز إلى الحياة من الجنة، وبأنها ترمز إلى الحياة الجديدة بولادة المسيح، وما يوضع تحت الشجرة من هدايا ترمز إلى ثمرات الأشجار المعطاة للبشر. في أعلى الشجرة يرمز النجم المشع إلى نجم بيت لحم عند ولادة المسيح، بينما في الولايات المتحدة يعتلي الشجرة مجسم صغير يرمز إلى ملائكة بيت لحم.

تنتشر منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني في الساحات الرئيسية والشوارع العريضة في عديد من المدن الأوروبية أشجار الميلاد التي انتقلت تقاليد تزيينها إلى حضارات وثقافات أخرى، حتى الآسيوية منها عبر بوابة هونغ كونغ، التي تستورد سنوياً عشرات آلاف الشجيرات من السويد والدنمارك والنرويج.

وعادة ما تأخذ شجرة عيد الميلاد 9 سنوات من لحظة إنبات بذرتها إلى وصولها للمستهلكين، وباتت شجرة الميلاد تحمل أشكالاً وألواناً استهلاكية وتفنّناً لكسب أسواق عالمية من خلال تصدير المليارات منها حول العالم. ويتميز إكليل الميلاد بوضع شمعة تحمل تسلسلاً لأيام شهر ديسمبر/كانون الأول. ويعلق الكثير من أصحاب الشقق والمنازل تلك الأكاليل على أبواب بيوتهم، وهي عادة ما تتكوّن من عروق خضراء مأخوذة من نبتة شجرة الميلاد نفسها.
تضاء شجيرات الميلاد، وغيرها، في حدائق المنازل وتتدلى من النوافذ زينة الأضواء التي تنتشر في واجهات المحلات التجارية والشوارع الرئيسية. فهي أيضاً فرصة لزيادة المبيعات عند التجار الذين يوظفون اختصاصيين في مجال العرض وجذب الزبائن.

في استوكهولم وحدها جرى إشعال 710 آلاف "لمبة" إيذاناً ببدء موسم الميلاد، وبمقدار نصف مليون لمبة تشعل شوارع وساحات رئيسية في أوسلو وكوبنهاغن.

عادة ما تبدأ مظاهر الاستعداد لأعياد الميلاد بتغيّر واجهات المحلات التجارية بعروض تستوحي من المناسبة التي يراهن عليها أصحاب المتاجر والمطاعم لزيادة أرباحهم. فمنذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني تبدأ المدن بارتداء حلة أخرى عن بقية أشهر السنة. المطاعم تستعد لاستقبال الزبائن كمجموعات تمارس طقوساً محددة منذ عقود، فبغض النظر عن وظيفتك ومكان عملك، لا بد أن تُدعى إلى "غداء عيد الميلاد".

الموظفون والعمال ينتظرون أيضاً أن يتقدم أرباب العمل بهدايا للموظفين جميعاً وبالمستوى ذاته دون تفريق في القيمة، وفي العادة تجري عملية توزيع الهدايا المغلّفة بشكل أنيق بعد أن تكون مركونة بالقرب من شجرة عيد الميلاد أو على طاولة بالقرب من المدير الذي يوزعها على هؤلاء.

لا يتوقف الأمر عند الموظفين، بل حتى المنظمات الأهلية المتخصصة، وبالتعاون مع الكنائس، تجهّز نفسها في كل عام لتقديم سلة الميلاد للأسر ذات الدخل المحدود، بلا تمييز بين متديّن أو غيره، بل حتى المسلمين في تلك البلاد يمكنهم تسجيل أنفسهم على لوائح المحتاجين.
تقاليد كثيرة مرتبطة بالميلاد في بلاد الشمال، لكن ما يجمعها هو إغلاق شامل وتام للمطاعم والحانات طيلة أيام الميلاد. وفي أيامه تلك هي فرصة في تقاليد أهل البلاد أن يجتمعوا عند الوالدين حيث يأتي جميع الإخوة وأطفالهم، ثم يتناوبون لتناول الغداء عند أهل الزوج أو الزوجة.

الحلويات وصناعة كعك الميلاد التي يكثر فيها استخدام الزبدة والقرنفل والقرفة، مع ولائم كبيرة تدفع بالكثيرين إلى أن يتخذوا "عهد السنة الجديدة" للتخفيف من الوزن، أو الإقلاع عن التدخين والتعهّد بأن يتصرف الشخص تصرفات إيجابية مع الإنسان الآخر لمناسبة الانتقال إلى سنة جديدة. وعادة ما يحث ملوك ورؤساء حكومات هذه الدول، من خلال كلمات متلفزة تبث على المواطنين، للتعامل الإيجابي مع الشعوب من ثقافات وحضارات أخرى، فهي مناسبة لأن يتفوّه فيها أصحاب العرش بما لديهم، إذ في بقية أيام السنة، ووفق الملكيات الدستورية، لا يتدخل هؤلاء بطرح آرائهم السياسية وغيرها.


العطاء في الميلاد لا يتوقف على حدود بلاد الشمال الاسكندنافي، ففي شهر الميلاد يصبح التبرع والعطاء للآخرين حول العالم سمة مرافقة لاحتفالات الميلاد. المنظمات الإغاثية، ومنها منظمة العون الكنسي، تبث دعايات مدفوعة الأجر عبر التلفزة المحلية إلى الأثرياء وأصحاب الشركات بأن يمنحوا ما يستطيعون للأطفال في البلاد الفقيرة. وهذا العام يجري التركيز على حملة لأفريقيا بعنوان "أنا أمنح جدياً".

موسم الميلاد يحمل من ناحية أخرى الكثير من السلبيات الاجتماعية المتعلقة بالأطفال الذين يعيشون بين أبوين مطلقين، فتدب الخلافات حول الجهة التي سيقضي الأطفال معها عيد الميلاد. ليس هذا فحسب، بل إن علماء الاجتماع والنفس في شهر ديسمبر يبدأون بتقديم النصائح والإرشادات لكيلا تتطور الخلافات الناجمة عن توترات باتت الحياة الاستهلاكية وطور السرعة المطلوبة في تأمين كل شيء تؤثر على العلاقات الزوجية، فتؤدي إلى حالات طلاق كثيرة. نتائج تلك الخلافات تظهر عادة في الأيام التالية لانتهاء ليلة عيد الميلاد، وهو الذي تحاول الكثير من المؤسسات أن تعتاش منه من خلال "دورات لتجنب" التأثير السلبي للميلاد وتوتراته على الحياة الأسرية.

المساهمون