سائليني يا شآم... فأنا سعيد عقل

سائليني يا شآم... فأنا سعيد عقل

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...
02 ديسمبر 2014
+ الخط -
يُدفن اليوم الأديب سعيد عقل في مثواه الأخير، إذ تُقام الجنازة في كنيسة مار جرجس للموارنة بوسط بيروت، في ظلّ حشد شعبي وسياسي وفني وثقافي كبير.

رحل هذا العملاق الذي لن يلد لبنان مثله. ويصعب في هذا الزمن بالذات أن تجد من جمع الأحرف وبعثر الأسلوب بإبداع.

شاعر طريف، ظريف، لذيذ، سعيد عقل. لو كنّا في زمن الشعر القديم فلربما جاء ناقد وصَنَّفَه، عن جدارة واقتدار، في خانة فحول الشعراء. وأتخيّل سعيداً سيرفض اللقب ويقول للمصنّف: خَلِّ الفحولة للماعز!

شاعرٌ فذ، سعيد عقل، مختصّ، من دون شهادة "بورد"، بالغرابة، والأفكار غير المألوفة. لا يهمّه إن صَحَّتْ أفكارُه أو اعتلَّتْ، مثلما يعتلُّ الخُزَام.. إذ بينما يتغنّى المئاتُ، والألوف، والملايين من الناس بالوحدة العربية، يهتف سعيد عقل للانفصال! ويدعو إلى تبنّي القومية اللبنانية! ووقتها: ترتاح ضفتا دمشق في خاطره، فإذا ما راح يسترضي الشذا، ينثني لبنان عطراً... يكتب، سعيد، هذا، للشآم، فكأنّه، والأخطلَ الصغير بشارة الخوري الذي كتبَ (مشتِ الشامُ إلى لبنانَ شوقاً والتياحا)، يبتدعان عند شاطئ أمثولة واحدة.

يعادي سعيد، اللغةَ العربية التي يحيطها القوميون بهالة كبيرة من القداسة، ويدعو إلى استخدام العامية اللبنانية، ويكتب "يارا الـ جدايلها شقر"، و"مشوار": (قالوا شَلَح لي ورد عا تختي، وشبّاكنا بيعلاه، شوعرَّفو؟، أيّا، تختي أنا، وأيّا تخت إختي؟).

يهاجم، سعيد، الفلسطينيين بينما الملايين، الصادق منهم والمنافق، يعتبرون فلسطين قضيتهم المركزية.

ويزيدنا، سعيد، من القصيد بيتين رهيبين حينما يرحّب بالاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، نكاية بالفلسطينيين! يصرح بهذا في حين يشعر خليل حاوي، وهو يسمع صرير جنازير الدبابات الإسرائيلية تطأ الأرض اللبنانية، بالإهانة، فينتحر.

يُخيّل إليكَ، وأنت تقرأ قصيدة لسعيد عقل، أنّ هذه الأفكار، والآراء، والمواقف، والتصريحات، تصدر عن شخص آخر غير هذا الذي كتب القصيدة. لأنّك، والحال هذه، سوف تتساءل: أين العامية التي دعا إليها سعيد عقل في: مُرَّ بي، وسائليني، وشامُ يا ذا السيفُ، وقرأتُ مجدَكِ، وغنيتُ مكةَ، وسيفٌ فلْيُشْهَرْ، ومِنْ روابينا القمر، ونَسَمَت من صوب سوريا الجنوبُ؟

في أيّام الوحدة الثنائية بين مصر وسورية، كان السوريون يستمعون إلى الأغاني التي تمجّد الوحدة بين القطرين الشقيقين، وتخصّ الرئيس جمال عبد الناصر بالمديح، ومنها أغنيتا الصبوحة "حموي يا مشمش"، و"من موسكي لسوق الحمدية، أنا عارفة السكّة الوحدية"، اللتان لحّنهما الموسيقار فريد الأطرش، وأغنية عبد الحليم حافظ: "إحنا الشعب"، و"عبد الناصر يا جمال يا مقدام عروبتنا"... إلخ.

أما سعيد عقل، فكان، في تلك الآونة، قد أنجز ملحمته الكبرى "سائليني يا شآم".. التي لحّنها الأخوان الرحباني بطريقة فيها الكثير من التحدي، وكأنهما يقولان له: إذا كنت أنت سعيد عقل فنحن عاصي ومنصور (شو بِنَا؟). 

الطريف في الأمر أنّ السياسيين السوريين الذين قادوا الانفصال عن مصر قد استطابوا أغنية "سائليني" التي أبدعها سعيد عقل، وأصبحت تُبثَ من الإذاعة السورية، مرّات عديدة، على مدار اليوم، ربّما من باب النكاية..

ما الذي كان يقصده سعيد عقل، آنذاك، وهو المسيحي، بتمجيد الأمويين: "فإن ضقتِ بهم، يا أرضُ، ألحقوا الدنيا ببستان هشام؟

أظنّ هذا السؤال في غير موضعه.. لأنّ سعيد عقل الذي غنّى لمكّة، والحجّ، لم يغنّ لأنّه مسلم، أيضاً، وإنّما كان يُسَائِلُ ملحمة إنسانية كبرى، ويُزيح من طريق الحضارة كلّ أنواع التعصب والتمييز، ولا سيما حين يقول:
وأَعِزَّ- رَبِّ- الناسَ كُلَّهُمو، بيضاً- فلا فَرَّقْتَ- أو سودا

سعيد عقل. 102 سنة، وعبقرية فذّة، وتذهب الآراء العابرة والنزواتُ الغريبة، ويبقى شعر سعيد عقل.

دلالات

ذات صلة

الصورة
اللاعب التركي

رياضة

انتقدت الجماهير التركية بشكل كبير المدافع التركي الشاب أوزان توفان، صاحب الـ21 عاماً، وذلك بعد نهاية مباراة منتخب بلاده بنظيرتها كرواتيا، في اللقاء الذي جمعهما في المجموعة الرابعة من فعاليات بطولة أمم أوروبا 2016 بفرنسا.

الصورة
كتارا

منوعات

فاز الشاعر العماني، جمال عبد الله الملا، من سلطنة عمان، بقصيدته، "النبي"، بجائزة كتارا لشاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، والتي اختتمت مساء اليوم الخميس في الدوحة، وشارك فيها 30 من شعراء العالم العربي والإسلامي.
الصورة
معتوق أبو راوي - القسم الثقافي

ثقافة

بعد أن أخذت رحلة الشعر مهرجان "أصوات حيّة" إلى الجديدة المغربيّة وجنوة الإيطالية وطليطلة الإسبانية، رسا بها القارب في مدينة زرقاء وبيضاء اسمها سيدي بوسعيد نسبة إلى صوفيها الوليّ الصالح الذي ألهمها بساطة الأشياء وسر المعنى.

المساهمون