طائرات ورقية وزهور الأوريجامي في "كتارا"

طائرات ورقية وزهور الأوريجامي في "كتارا"

03 ابريل 2015
الكبار والشيوخ عادوا أطفالاً في حضرة تلك الطائرات الورقية
+ الخط -
عند شاطئٍ وديع، يفتح صدره لمياه الخليج المتهادية برفق، وتحت شمس ربيع الجزيرة العربية اللطيفة، أطلق مئات الفارّين من روتين الحياة اليومية، وضغط العمل ومسؤوليات العائلة، من أهل قطر والمقيمين فيها، أطلقوا طاقاتهم السعيدة عالياً في السماء، ورفعوا أنظارهم إلى القبّة الزرقاء، وتركوا مجسّمات مختلفة بألوان الطيف وكلّ تدرجاتها تشقّ طريقها نحو الغيوم العالية، وتمطر فرحاً وضحكات وصيحات إعجاب وتقدير لأعجوبة كبيرة تحدثها طائرة صغيرة من ورق وبضعة خيوط.

لمَ لا؟ والفرح الكبير وليد فعل بسيط نقوم به بشوق وامتنان!
في "فعالية الطائرات الورقية الكورية"، التي نظّمتها مؤسسة الحيّ الثقافي - كتارا، في العاصمة القطرية الدوحة، بالاشتراك مع السفارة الكورية الجنوبية، لم يكن هناك سوى أطفال.
صحيح أنّ الكبار، وحتى الشيوخ، حضروا، إلا أنّهم في حضرة تلك الطائرات الورقية عادوا أطفالاً، وتذكّروا كيف كانوا يسعدون بصنع مثل هذه الطائرات الخفيفة الملوّنة قبل عقود مضت، وبعضهم حقّقوا أمنية طفولتهم في أن يصنعوها ويطيّروها ذات يوم.

الحاجة فاطمة (65 عاماً) واحدة منهم، أتت مع حفيديها، ليس فقط لتشاركهما هذه الفعالية الترفيهية، بل أيضاً لتصنع لهما طائرة تشبه أوّل طائرة صنعتها لوالدهما، ابنها، وتستعيد معهما تلك اللحظة النادرة في حياتها كأمّ. بابتسامة عريضة، تقول "تيتا الحجّة"، كما يناديها أفراد العائلة، إنّها طالما غنّت لحفيديها، وقبلهما أولادها، أغنية فيروز "طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان، بدي ارجع بنت صغيرة ع سطح الجيران".. وإنها اليوم تحقّق هذه الأمنية، وتشعر أنّها بالفعل عادت بالزمن سنوات إلى الوراء.

أما نام - جي، من التابعية الكورية في قطر، فقد أتى مع أطفاله لأجل ممارسة هذه الهواية والرياضة الممتعة، وأيضا كي يعطيهم فرصة التواصل مع مشهد من تراث بلدهم الأمّ وحاضره، وفق قوله "الطائرات الورقية مقدّرة جداً في كوريا، وتشهد المهرجانات المشابهة هناك رواجاً كبيراً وإقبالاً، كما تعتبر من أهمّ الفعاليات الترفيهية في البلاد". ولكنّ الأسرة الكورية سرعان ما تجد سبلاً عديدة للمرح والترفيه، إذ تلتقي بأصدقاء كوريين، قصدوا الفعالية للأسباب الوطنية والأسريّة نفسها.

وقد توافد المشاركون في المهرجان الصغير منذ العاشرة صباحاً، يتقدّمهم السفير الكوري في قطر، السيد تشانغ كي جونغ، الذي افتتح الفعالية، وأظهر سعادة وفخراً بأن تزيّن الطائرات الورقية الكورية سماء الدوحة.
قاصدو الفعالية كانوا كثيرين، ولكن الأمر لم يخل من عابري المصادفة، الذين لم يسعهم أن يتابعوا سيرهم من دون اهتمام، فتوقفوا يراقبون ويصوّرون ويختارون الطائرة الأجمل تصميماً والأكثر ارتفاعاً... ثم اندمج بعضهم في الحدث وشاركوا فيه.

وما إن ارتفعت الطائرات عند شاطئ كتارا وعلت الصيحات وأصوات التصفيق، كل يشجّع طائرة ابنه أو صديقه، حتى توافد بعض زوّار الحي الثقافي إلى المكان، ليشاهدوا عن قرب أسراب الطائرات الملوّنة.

زهور الأوريجامي
على هامش الفعالية، أقيمت ورشة لتعليم فنّ زهور الأوريجامي، المصنوعة من ورق شبيه بورق الطائرات الكورية، وليس الأمر مصادفة، بل إنّ منظّمي الفعالية ورعاتها قدّروا أنّ محبّي الطائرات الورقية سيستحسنون فكرة المشاركة في ورشة "الأوريجامي"، وصناعة مشغولات مختلفة من هذا النوع من الورق الملوّن.

وقد نجحوا بالفعل في إضفاء سعادة إضافية على زائري الفعالية، الذين تيسّر لهم مشاهدة عروض محترفي تحريك الطائرات الورقية الكوريين، إذ قدّموا على مرحلتين، صباحية ومسائية، تخللتهما استراحة الظهيرة، عروضاً جذابة لتحليق هذه الطائرات ورقصها الجميل في أعالي السماء. ثمّ وفّر هؤلاء المحترفون فرصة نادرة لتعليم الهواء كيفية إطلاق هذه الطائرات والتحكّم بها.

تعلّم التحكم بالطائرة ليس أمراً سهلاً، ولكن وقوعها سواء في مياه الخليج أو في مطعم من مطاعم كتارا أو مرفق آخر كان سبب فرحة ومدعاة للضحك.
الحزن الوحيد الذي شهدته الفعالية كان حزن طفل أخذت الرياح طائرته بعيداً عن الأنظار، لكن البسمة عادت إلى وجهه حين قدّمت له سيدة قطرية طائرة جميلة، ووعده والده أن تعود طائرته بعد جولة قصيرة.

خصّصت الساعة ما قبل الأخيرة من الفعالية لتعليم الراغبين كيفية صنع الطائرات الورقية، في ورشة تفاعلية جذبت الهواة، وأفسحت المجال أمام الحاضرين لتخيّل الصورة المسالمة التي قد ترسمها طائرة ما، تبتعد بها عن المعاني العنيفة والحربية لما عداها من طائرات باتت تغزو حياتنا عبر وسائل الاعلام أو عبر بثّ حيّ.

دلالات

المساهمون