السينما المصرية التسجيلية: البحث عن آفاق أوسع

السينما المصرية التسجيلية: البحث عن آفاق أوسع

09 نوفمبر 2015
من "أم غايب" (فيسبوك)
+ الخط -
في الأسبوع الماضي، بدأ عرض الفيلمين التسجيليين "أم غايب" للمخرجة نادين صليب و"موج" للمخرج محمد نور، في داري سينما جماهيريتين، قاعة "زاوية" في وسط مدينة القاهرة، وسينما "رينيسانس" في مدينة السويس. العرض الجماهيري يعتبر حدثا نادرا جداً بالنظر إلى أن الفيلمين الوثائقيين الوحيدين اللذين تم عرضهما في دور سينما في تاريخ مصر هما "الطيب والشرس والسياسي" عام 2011 (إخراج عمرو سلامة، آيتن أمين، تامر عزت)، ووزع بالنظر إلى الزخم الثوري وقتها.  أما الفيلم الثاني فهو "طرق القاهرة" لشريف القطشة الذي أنتجه عام 2013. 

يمكن النظر لـ(حدث العرض) من جانبين: الأول هو محاولات توزيع الأفلام المختلفة التي تبذل لعرض أفلام مستقلة –روائية أو تسجيلة ــ في دور سينما جماهيرية ومنحها فرصة للعرض، وفي هذا السياق تبدو دار سينما "زاوية" رائدة جداً، ونقطة مهمة في دعم الصناعة كلها، لأنها جسر التواصل الأخير بين (السينمائيين المستقلين) والجمهور، مما يمكن له ببطء وعلى مدى زمني طويل المساهمة في موجة وتغيير المزاج العام لتعامل الجمهور مع سينما مختلفة.. وتقبل هذا الاختلاف.

بينما الجانب الثاني، الفني أكثر، له علاقة بالاختلاف الذي طرأ على الأفلام التسجيلية في مصر خلال السنوات الأخيرة، والذي تأثر بالكثير من الأمور، بعضها تقني متعلق بتوفر المعدات والكاميرات الأصغر، وبعضها ثقافي ومعرفي ومرتبط بتطور السينما الوثائقية في العالم كله، وأغلبها مرتبط بالحراك البطئ.. سينمائياً وسياسياً.. الذي جعل المخرجين أكثر قدرة في التعبير عن أنفسهم والتجريب في أفلامهم التي تتعامل مع الواقع مباشرةً.




قديماً، منذ الستينيات وحتى التسعينيات ربما، كان التلفزيون المصري هو المنتج الرئيسي للفيلم التسجيلي في مصر، وأحياناً المركز القومي للسينما، كان الأمر بحاجة لخام وكاميرا 35 ملم ومعدات صوت وأشخاص مسؤولين عن كل هذا، مما جعل عملية الإنتاج مرتبطة تماماً بالمزاج العام للدولة، يجب أن يكون هناك (موضوع)، عن الجوامع مثلاً؟ القاهرة القديمة؟ عن صيادين أو عمال في بعض المدن؟ التجديد والقيمة كانت في الرؤية الفنية لكل مخرج، خصوصاً مع وجود مواهب من قبيل علي الغزولي وحسام علي وعطيات الأبنودي مثلاً، ولكن دون أن يتاح لهم حرية أكبر في (خلق) عالم أو التجريب في تجربة صناعة الفيلم نفسه.

في السنوات الأخيرة، آخر 15 عاماً مثلاً، لم يعد المخرج يحتاج إلى كاميرا 35 ملم وبالتالي لا معدات ضخمة، أصبحت الأمور أبسط، مما فتح الباب لاحتمالات لا متناهية وإنتاجات عديدة، أصبح صناع الأفلام أكثر قدرة على ملاحقة الحكايات التي تشغلهم حتى لو لم تمتلك "موضوعاً" واضحاً، والتعبير عن ذواتهم وشخصياتهم وهواجسهم داخل الأفلام.


اقرأ أيضاً: "لا مؤاخذة" يحصد جوائز في المهرجان القومي للسينما المصرية


فيلم نادين صليب "أم غايب" الذي استغرق تصويره 4 سنوات في صعيد مصر نموذج مهم على ذلك، لم تعرف "صليب" تحديداً عما يدور فيلمها إلا بعد فترة طويلة من التصوير، كأن هناك أمراً مخفياً يجب عليها الحفر والصبر حتى تصل إليه، عاشت لفترات متتابعة وسط هؤلاء الناس الذين يحكي عنهم فيلمهم، وفي النهاية وصلت إلى حنان، بطلة الفيلم التي تكمن حكايتها من على السطح في أنها تريد الإنجاب، ولكن في العمق وجدت "صليب" في حنان كل التساؤلات الذاتية التي تحملها هي نفسها كصانعة أفلام عن الحياة والموت ومعنى السعادة، ظلت تصور، 200 ساعة ربما، وفي النهاية خرج فيلمها للنور، مصحوباً باحتفاءٍ مع كل مهرجان عرض فيه، وصولاً إلى عرضه الجماهيري الأول في مصر يوم الأربعاء 4 نوفمبر.. ومقابلته بنفس الاحتفاء.


فيلم محمد نور "موج" هو الآخر فيلم ذاتي في النهاية، على الرغم من التماس السياسي المباشر مع ثورة يناير، والحياة في مدينة السويس أثناء حكم مبارك، وكل ما يخص إرث المدينة النضالي، فهناك الشيء الذي يخص "نور" نفسه وحكايات عائلته وشعوره الذاتي بكل ما يحدث.
ووسط نفس المناخ، الذي صار به على الأقل احتمالية لعرض وإتاحة أفلام خارج السرب في دور سينما، مع صناع يحاولون المناهدة مع الواقع، هناك أسماء أفلام ومشاريع مهمة ومختلفة في السينما التسجيلية في مصر مثل "هدية من الماضي" إخراج كوثر يونس أو "البحث عن عصام عبدالله" إخراج ياسر نعيم أو "يوم أكلت السمكة" إخراج عايدة الكاشف، وغيرها من المشاريع المنتهية أو التي يتم العمل عليها، والتي تنبع من ذوات أصحابها، وتصنع مع بعضها صورة ما لمناخ وآفاق أوسع للفيلم التسجيلي في مصر.

اقرأ أيضاً: 10 ممثلين بارعين لم يفوزوا بالأوسكار بعد

دلالات

المساهمون