الجنس اللطيف ضدّ الجنس البشري

الجنس اللطيف ضدّ الجنس البشري

19 أكتوبر 2014
بعض الجهاديين الأجانب هنّ من الجنس اللطيف (Getty)
+ الخط -
بالوعيد والتهديد، وبأشرطة الفيديو المليئة بالرؤوس المقطوعة، أصبح "داعش" بين عشية وضحاها حديث الساعة. وإذا كانت جرائم الدواعش تجد ما يفسّرها في فتوى فقيهها أبو البراء النجدي: "إسعاد الأخيار في إحياء سنّة نحر الكفّار"، فإن اتّساع رقعة التنظيم، وانتشاره المضطرد بين الشباب، لا يجد ما يكفي من التبريرات.

في كلّ يوم تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار جديدة عن شباب يلتحقون بتنظيم "داعش". والغريب أنّ بعضهم ليسوا من البلاد العربية، بل هم أوروبيون وأميركيون، ينحدرون من أسر ملحدة أو مسيحية أو يهودية، منهم الأغنياء ومنهم الفقراء. ويُحكى أنّه على الحدود التركية السورية ثمة مناطق تغصّ بالأجانب، ولكلّ جنسية متاجرها، وللناطقين بالفرنسية منطقتهم الخاصّة. الأغرب من ذلك أنّ بعض الجهاديين الأجانب هنّ من الجنس اللطيف. ووفق آخر التقديرات فإنّ عدد الأوروبيين الذين غادروا بلدانهم إلى سورية، للالتحاق بداعش، أو التنظيمات الجهادية الأخرى، هو 400 ألماني، 10 في المئة منهم من النساء، و1000 فرنسي، بينهم 60 امرأة.
ويُقال إنّ تجنيد الغربيات في التنظيمات الجهادية، لا سيما المراهقات منهنّ، يجري من خلال نساء يعشنَ في أوروبا، ويُجِدْنَ استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، يتظاهرنَ بالصداقة، ويقمنَ بإقناع الشابات غير المسلمات بالعمل الخيري في مناطق الحرب. أما المسلمات فيجري جذبهنّ بمقولات الجهاد في سبيل الله. كما يُقال إنّ المجنّدات لا يشاركنَ في القتال، بل يقمنَ بخدمة المجاهدين، وإنّ احتمال عودة أيّ منهنّ أو هروبها يكاد يكون أمراً مستحيلاً.

من يطالع مواقع النت لا بدّ سيقرأ عن نورا، المغربية الأصل، الفرنسية الجنسية، ذات الخمسة عشر عاماً، التي غادرت إلى سورية أوائل هذا العام، وبعد ثلاثة أيام أرسلت إلى أهلها تقول إنّها "في حلب وسعيدة"، كأنّها في "عالم ديزني". يقول فؤاد: "كانت نورا قبل سفرها طالبة مجتهدة في المرحلة الثانوية، شديدة التأثّر، وتحب أفلام ديزني، لكن لديها شخصية مزدوجة. كانت تملك هاتفاً محمولاً، وحسابين على الفيسبوك، أحدهما كان مليئاً بدعوات الجهاد، وصور جثث ممزّقة الأوصال لأطفال سوريين. كما كان لديها ملابس إسلامية احتفظت بها سراً من دون علم أهلها. وفي وقت سابق على سفرها، هربت من زيجة قسرية، رتّبها فرنسي، كان يقوم بتجنيد الأجانب إلى الجماعات الجهادية، وهو حاليا قيد الحجز والتحقيق. من جهتي قد أتفهّم إلى حدّ ما الانضواء تحت جناح "داعش" من قبل أولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرته، ويخشون بطشه، أو من قبل أولئك الشبّان الذين وُلدوا وترعرعوا في منظومات القمع والفساد والتخلّف، ولم يعرفوا غيرها، أو أولئك اليائسين من ثورات الربيع العربي، ومن عجز المجتمع الدولي. لكنّ عقلي لا يسعفني في إيجاد مبرّر واحد لمن نشأ وتبلور وعيه في مجتمع متمدّن، وتحت سقف دولة القانون والحريات، أن يغادر إرثه الحضاري ومكتسباته، ليخفي رأسه براية سوداء، ويحارب العالم من أجل خلافة الموت.

المساهمون