النظام المصري يعد قانوناً جديداً لنقابة الصحافيين

النظام المصري يعد قانوناً جديداً لنقابة الصحافيين... ألغام في طريق "صاحبة الجلالة"

19 سبتمبر 2018
يحيى قلاش خلال اعتصام سابق أمام النقابة(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
رغم معارضة جزء كبير من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين المصريين لقانون تنظيم الصحافة الصادر في 2 سبتمبر/أيلول الجاري، إلا أنهم حتى الآن لم يتخذوا موقفاً حاسماً تجاه القانون الذي وصفوه بـ"قانون إعدام الصحافة"

الانتقادات التي طاولت القانون الجديد لم تكن متعلقة بحجب ومصادرة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمجال الإلكتروني المفتوح فحسب، بل لأن مواد القانون يغلب عليها عدم تحديد المقصود من المصطلحات المستخدمة، ما يجعل هناك غموضاً وعدم انضباط. ويتيح ذلك إمكانية امتداد عقوبات القانون إلى أي فعل اعتيادي أو مخالف لسياسات السلطات المصرية.

يعطي القانون الجديد أيضاً للمجلس الأعلى للإعلام سلطات واسعة لعقاب كل من يكتب، وفرض عقوبات حتى على المواطنين الذين يكتبون على صفحاتهم الشخصية، وفرض عقوبات مالية على الصحافيين بخلاف العقوبات الأخرى من دون العودة للنقابة.

كما أنّ القانون الجديد وضع شروطاً جديدة لتوفيق أوضاع المواقع الإلكترونية الإخبارية والصحف المصرية والمؤسسات الإعلامية، أو المستحدث منها، في ما يتعلق بعضوية نقابة الصحافيين التي كانت قاصرة على الصحف المطبوعة فقط. إذ نصّت المادة 43 من القانون على التالي: "يشترط في كل صحيفة تطلب ممارسة النشاط الصحافي ألا تقل نسبة المحررين بها من المقيدين بنقابة الصحافيين ابتداءً عن 70 بالمئة من طاقة العمل الفعلية. وتلتزم كل صحيفة قائمة بإرسال كشف معتمد إلى نقابة الصحافيين يحتوي أرقاما محددة بإجمالي طاقة العمل الفعلية، وبيانات المحررين النقابيين وأرقام عضوياتهم، وبيانات المتدربين حال تواجدهم، والخطة الزمنية لتوفيق أوضاع من يثبت كفاءته، على ألا تزيد مدة اختبار الصحيفة لصلاحية المتدرب لممارسة المهنة على عامين".



ولفظ "الصحيفة" الوارد في هذه المادة وغيرها يقصد به "كل إصدار ورقي أو إلكتروني يتولى مسؤولية تحريره أو بثه صحافيون نقابيون، ويصدر باسم موحد، وبصفة دورية في مواعيد منتظمة، ويصدر عن شخص مصري، طبيعي أو اعتباري، عام أو خاص، ووفقا للقواعد والإجراءات التي تنظمها اللائحة التنفيذية لهذا القانون"، بحسب ما جاء في باب التعريفات.
وعلى الرغم من أن كثيرا من البنود تضمنت الإشارة إلى عضوية النقابة وتنظيم الالتحاق بها لجميع وسائل الإعلام، إلا أن أحدًا لم يطرق هذا الباب أو يحاول تفسير كيف ستتعامل تلك المؤسسات مع القانون والنقابة وتوفق أوضاعها بشأنه.

وعلمت "العربي الجديد" أن هذا الصمت حيال موقف المواقع الإلكترونية من الالتحاق بنقابة الصحافيين كان متعمدًا خشية فتح ملف قانون النقابة وتغييره. خاصة أنه يستلزم لتنفيذ بعض مواد قانون تنظيم الصحافة الجديد، صدور اللائحة التنفيذية للقانون والتي تستغرق حوالي ثلاثة أشهر، وتعديل بعض مواد قانون نقابة الصحافيين الذي يتيح عضوية النقابة للعاملين في الصحف المطبوعة فقط.

لكن هذا الصمت لم يدم طويلًا؛ إذ فوجئ أعضاء مجلس النقابة المعارضون لسياسات المجلس الحالي، والدين رفضوا من قبل قانون تنظيم الصحافة، بإعداد مشروع بديل لقانون النقابة الحالي رقم 76 لسنة 1970.

وقال مراقبون إن الصمت على مناقشة تداخُل قانون تنظيم الصحافة وتعديلات قانون النقابة جاء بدافع الخوف من تغييرات "كارثية" يجريها المجلس الحالي، ويوافق عليها البرلمان المصري، في هذا العصر المعادي للحريات... فكان الصمت والاحتفاظ بالوضع على ما هو عليه الخيار الأمثل".

لكنّ مجلس النقابة الحالي الذي يسير به النقيب وفقًا لأهواء النظام الحالي، لم يبادر بوضع قانون بديل للنقابة في منأى عن الأصوات المعارضة داخل المجلس، ما دفعهم (المعارضون) لإصدار بيان قالوا فيه "إن قانونا بهذه الأهمية لا يمكن أن يحتكر وضعه أحد، بل هو حق أصيل لأعضاء الجمعية العمومية للنقابة، ولا يمكن القبول باستبعاد كل الأجيال والرموز المهنية والنقابية وكل الخبرات من المشاركة في وضع قانون يحكم عمل النقابة ودورها وتأثيرها".
وأضافوا أنّ "الرغبة في الإسراع بوضع قانون نقابة الصحافيين وتمريره يثير الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام، ويطرح عشرات الأسئلة عن المستفيد حقاً من التعديل، ويُظهر الأمر كأن هناك من يريد تفصيل قانون خاص يخدم به مصالحه ورغبته في الاستمرار في مواقع معينة بالنقابة ومجلسها، ويستبعد آخرين من وجودهم بالمجلس والعمل النقابي بشكل عام".

وأعادوا القول "إن قوانين تنظيم الصحافة الأخيرة التي تم وصفها بقوانين اغتيال المهنة مؤشر مهم للعداء الواضح بين غالبية البرلمان الحالي والصحافة وحريتها، وهو الأمر الذي يفرض ضرورة التروّي في طرح أي قانون جديد لمناقشته بلا داعٍ لهذا الاندفاع غير المحسوب".
وبناءً عليه، أعلن "أعضاء مجلس النقابة الموقعون على هذا البيان رفضهم التام لهذا القانون، الذي يتم وضعه في الظلام، وبعيدا عن أعين أصحاب المصلحة الحقيقية"، وطالبوا بـ"مشاركة كل أعضاء مجلس النقابة في أي نصوص خاصة بالقانون، وبالاستعانة بكل الخبرات النقابية والمهنية، من كل الأجيال والمؤسسات، لوضع تصور لمشروع القانون، ثم البدء في تنظيم حلقات نقاشية داخل وخارج المؤسسات الصحافية لفتح حوار واسع مع كل أعضاء الجمعية العمومية، قبل أن يتم إقرار القانون في جمعية عمومية قادمة".
والموقعون هم جمال عبد الرحيم، ومحمد خراجة، ومحمود كامل، ومحمد سعد عبد الحفيظ، وعمرو بدر.



وحول التسريبات الواردة بشأن ملامح مشروع القانون الجديد، أشار صحافيون إلى أن إحدى مواده تنص على "شرط القيد في جدول تحت التمرين ألا يزيد سن الصحافي عن 30 عامًا" ما يعني الإطاحة بالمئات من العاملين في "بلاط صاحبة الجلالة" في انتظار الحصول على عضويتها.
ويؤكد صحافيون حقهم الأصيل في مناقشة قانون نقابتهم، إذ إن "تعديل قانون نقابة الصحافيين ليس ملكاً لنقيب أو مجلس نقابة، بل إن الجمعية العمومية هي صاحبة السيادة، أما مشروعات القوانين سابقة التجهيز والتي تتم في الخفاء أو تسقط علينا فجأة فهي باطلة ولقيطة"، بحسب تحذير نقيب الصحافيين السابق، يحيى قلاش.

كما كتب الصحافي المصري ومقرر لجنة الحريات بنقابة الصحافيين سابقًا، خالد البلشي "لا لقانون عبد المحسن.. لا لقانون تأميم نقابة الصحافيين.. قانون نقابة الصحافيين لا يضعه إلا الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين.. أما ما يثار عن قانون تعده في الخفاء لجنة عبد المحسن سلامة فهو المرحلة الأخيرة للسيطرة على النقابة، من يريد تغيير القانون عليه العودة للجمعية العمومية صاحبة الحق الأصيل والوحيد في وضع أو تغيير القانون. فالقانون يجب أن يعبّر عن الصحافيين جميعاً ويحافظ على ما تبقّى من حريتهم ومصالحهم".

وأضاف عبر حسابه على "فيسبوك" أنه "ربما تكون معركة رفض قانون عبد المحسن ولجنته التي انفرد بتشكيلها بعيدا عن الجمعية العمومية ومجلس النقابة، محاولاتنا الأخيرة للانتصار لهذه المهنة، المعركة يجب أن تمتد لقوانين إعدام الصحافة وما تمثله من مصادرة للكلام، وهي المعركة المستمرة من خلال الإصرار على عقد عمومية رفض القانون والتي تحولت لقضية بمجلس الدولة أولى جلساتها يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول القادم".
وأضاف "رفض اللجنة التي انفرد بتشكيلها عبد المحسن سلامة ورفض المشروع اللقيط الذي تم إعداده في الخفاء، وإعادة الاعتبار للجمعية العمومية هي المساحة المتاحة لنا للحفاظ على ما تبقى من المهنة، فالوصول لمشروع يجب أن يسبقه نقاش موسع داخل الجماعة الصحافية، وبعدها يتم الاستقرار على لجنة ممثلة لكل رموز المهنة ومعبرة عن جميع الأطياف ووجهات النظر داخل الجماعة الصحافية. فمعركة قانون النقابة ربما تكون معركتنا الأخيرة، وحضور الجمعية العمومية لإعلان موقفها من قوانين إعدام المهنة سيظل حائط الصد للحفاظ على حرية الصحافة ومصالح الصحافيين وحق المجتمع في صحافة حرة تعبّر عنه".