إغلاق "الجزيرة" في تعز: سلطة الأمر الواقع

إغلاق "الجزيرة" في تعز: سلطة الأمر الواقع

11 يناير 2018
فشلت اللجنة في مكافحة الجريمة في تعز(أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع اجتماع استثنائي عقدته القيادات العسكرية والأمنية في محافظة تعز اليمنية، يوم الثلاثاء الماضي، قُتل مواطن يدعى محمد قائد وهو جندي في اللواء 35 مدرع التابع للحكومة الشرعية، في باب منزله وسط المدينة على يد مسلحين ملثمين. وقبل 24 ساعة من انعقاد هذه الاجتماع أيضاً، قتل مواطن في حي الشماسي شمالي شرق مدينة تعز على يد مسلحين كانوا على متن دراجة نارية، فيما قاطعت عصابة مسلحة في منطقة الحصب غرباً مواطناً يعمل في تجارة الذهب ونهبت منه كيلوغرامين من الذهب وثلاثة ملايين ريال يمني (الدولار يعادل 470 ريالاً)، واقتادته إلى منطقة المطار القديم غربي المدينة.

تجاهلت اللجنة الأمنية العليا في تعز مناقشة هذه الحوادث الأمنية المتقاربة الزمن مع انعقاد الاجتماع الأمني. بل ركز المجتمعون في نقاشهم على إغلاق مكتب قناة "الجزيرة"، والذي قرر أعضاء اللجنة الأمنية، بالإجماع، على إغلاقه رسمياً في تعز، ومنعها من مزاولة تغطيتها أو التعامل معها من أي جهة رسمية. وبررت اللجنة ذلك في بيان، بـ"الحفاظ على وحدة الصف الذي تحاول القناة شقه"، إضافةً إلى أن "تغطية مكتب القناة ينعكس سلباً على مسار المعركة ويمنع الجيش الوطني من تحقيق أهدافه المتمثلة بإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية".

وبحسب متابعين، فإن اجتماع اللجنة الأمنية، وهي جهة عسكرية مناط بها ضبط الأمن وصناعة الاستقرار، الأمر الذي فشلت فيه، جاء بعد أسبوع من عقد لقاءات جمعت قيادات تعز العسكرية بقيادة التحالف العربي في عدن والرياض، ما يُعدّ بمثابة محاولة أردات القيادات العسكرية من خلالها تعزيز ثقة قيادة التحالف بقائد محور تعز والقيادات العسكرية.

هاجم رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الصحافيين والناشطين قرار إغلاق مكتب "الجزيرة" من قبل اللجنة الأمنية، المكوّنة من قيادات عسكرية وأمنية يقودها قائد محور تعز، اللواء خالد فاضل، والتي لم تتمكن من وضع حد للانفلات الأمني الذي من أبرزه ملامحه في مناطق الحكومة الشرعية، كانتشار عمليات القتل، والنهب والتقطع والاختطاف والاعدام خارج القانون، بل ذهبت لإغلاق قناة "الجزيرة"، في ما تعتقد أنّه إنجاز أمني.

وقال الصحافي محمد سعيد الشرعبي، في منشور ساخر في صفحته على "فيسبوك" معلقاً على القرار "واجب اللجنة الأمنية في تعز إنهاء كارثة الانفلات الأمني ووقف جرائم الاغتيالات وتنظيف المدينة من العصابات المتطرفة والمسلحة وليس قمع الحريات". وأضاف: "إغلاق مكتب قناة الجزيرة والتهديد بإغلاق مكاتب بقية القنوات قرار سياسي وصدر كقرار أمني".
وفي السياق، قال رئيس اللجنة الإعلامية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بمحافظة تعز، مجيب المقطري، إن "قرار اللجنة الأمنية بالمحافظة برئاسة، اللواء خالد فاضل، قائد محور تعز، الذي قضى بإغلاق مكتب قناة الجزيرة، بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا معها، يعد قراراً غريباً يستدعي ضرورة التراجع عنه لجملة أسباب قانونية وأخلاقية وحقوقية تطعن في مشروعيته، إضافة إلى أن القرار يسيء لتعز ونضالها الطويل من أجل الحرية والديمقراطية والحقوق والحريات الخاصة والعامة وحرية الإعلام وحق التعبير عن الرأي".

وقال المقطري، في حديثه لـ "العربي الجديد" إن "مهام اللجنة الأمنية بالأساس تنحصر في حفظ الأمن والاستقرار بمدينة تعز التي للأسف الشديد تعاني من أسوأ حالات الانفلات الأمني ومن مظاهر غريبة وتشوهات طارئة من أعمال السطو المسلح وجرائم الاغتيال وليس آخرها محاولة اغتيال وكيليْ محافظة تعز رشاد الأكحلي وعبد القوي المخلافي، وقبل ذلك سلسلة من عمليات القتل كانت أبرزها إعدام مواطن في مقر لواء عسكري".

وأكد مجيب المقطري أنّ "اللجنة الأمنية تحاول تعزيز سلوك سلطات الأمر الواقع التي رفضها أبناء تعز، وأيضاً تتجاوز الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة والقوانين الناظمة لعملها الأمني". وتابع: "نرفض ممارسات سياسة الإرضاء أو المساومة على حساب مصادرة صلاحيات الدولة وأجهزتها التنفيذية المدنية، كما نرفض سياسة تكميم الأفواه والقمع والمنع والحجر".

ودعا اللجنة الأمنية للقيام بدورها المنوط بها في حفظ الأمن والاستقرار ووضع حد للجريمة بالمحافظة، وفقاً لصلاحيتها القانونية والدستورية، وعدم التدخل في الشأن السياسي والتنفيذ المناط به لقيادة السلطة المحلية.

واعتبر متابعون أنّ قرار إغلاق قناة "الجزيرة" يعدّ تجاوزاً لصلاحيات اللجنة، المتمثلة في الحفاظ على أمن تعز ومكافحة أعمال البلطجة والجريمة والقتل خارج القانون. وقال عضو المجلس المحلي في تعز عبدالله إبراهيم الأمير، في حديث لـ"العربي الجديد" إن المخول بإصدار مثل هذا القرار هو وزارة الإعلام اليمنية فقط، وصدور مثل هذا الإجراء من جهة أمنية هو تجسيد لسلطة الأمر الواقع.

وذكر الأمير أن صدور قرار يقمع الحريات الإعلامية في تعز، وهي المدينة الحاملة للواء الدولة الوطنية الاتحادية والمدافعة عن سيادة الدستور والقانون والفصل بين السلطات، والالتزام بالحقوق والحريات والمبادئ الديمقراطية وحرية الرأي، يمثّل إساءةً لتعز وللقيم التي ناضلت عنها، وبحيثياته المعلنة في مسودة القرار يشكل أيضاً إساءةً ضمنية للجيش الوطني، والذي اعتبر أن الدور الذي تلعبه "الجزيرة" - رغم اختلافي معه - ينعكس سلباً على أداء الجيش الوطني، وكأنّ عرقلة الجيش الوطني عن استكمال تحرير تعز سببه قناة تلفزيونية، بينما في حقيقة الأمر سببه مصادرة لقرار البلد وجيشه بسبب الفقر والحرب وسوء إدارة الحكومة الشرعية".

وبحسب الأمير، فإنّ اللجنة الأمنية "تحاول المساومة وتسجيل موقف يثبت أنها في صف دول الحصار ضد قطر. ومن جانب آخر، تحاول اللجنة الأمنية التي يغيب المحافظ عنها، تعزيز فرض حضورها كسلطات أمر واقع تتجاوز الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة". وختم بقوله إنّ "القمع والمنع وتعز لا يجتمعان، لطالما كانت تعز قلعة للحرية وستظل، ولن يقهرها ابتزاز الأوصياء".

ولم يمرّ يوم على مدينة تعز دون أن تشهد شوارعها مسيرات وتظاهرات احتجاجية تطالب اللجنة الأمنية بالقبض على قاتل أو عصابة نهب أو تسليم جناة يتبعون الوحدات العسكرية. وحتى هذه اللحظة لم تعلق اللجنة الأمنية على حادثة هزت تعز تمثلت بإعدام المواطن حبيب الشميري، على يد جنود تابعين لوحدة عسكرية في قوات محور تعز العسكري، في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي تم تصفيته جسديًا بعد اختطافه من منزله إلى مقر يتبع قوات لـ"اللواء 22 ميكا" وهو لواء يعتبر قائده أحد أعضاء اللجنة الأمنية في تعز.
وعجزت اللجنة الأمنية في القيام بدورها الأساسي المتمثل في حفظ الأمن والاستقرار ووضع حد للجريمة المنتشرة بالمحافظة.

ويفضل العشرات من ضباط جهاز أمن تعز الاعتكاف في منازلهم بسبب رفضهم سياسة اللجنة الأمنية في تعز والتي تروج، عبر ناشطين في الإعلام يتبعون الأمن، عند كل حادث أمني في المدينة، قيامها في عملية انتشار أمني وهمي بغرض الحصول على مقابل مالي.
وأكد المقدم عبدالحكيم العريقي، أنّ ظهور اللجنة الأمنية فجأة كان بدافع تسجيل موقف يخدم دولة الإمارات في حربها ضد قطر، وهو دور طلبته قيادة التحالف العربي من حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يشكل معظم ضباط وجنرالات اللجنة الأمنية في تعز من صفوفه، بينهم قائد محور تعز ووكيل المحافظة لشؤون الأمن وقيادات معظم الألوية العسكرية.

من جهتها، قالت مصادر في القناة إن الخطوة جاءت بطلب من قوات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، وليس لدوافع محلية صرفة. وكتب مراسل قناة "الجزيرة" سمير النمري، على صفحته بموقع "تويتر"، نقلاً عن مصادر خاصة، أن السعودية "طلبت من القيادات العسكرية اليمنية في تعز أثناء تواجدهم في الرياض الأسبوع الماضي، سرعة إغلاق قناة الجزيرة، ومنع موظفيها من العمل داخل المحافظة. وطلبت منهم تنظيم مظاهرات شعبية تؤيد إغلاق الجزيرة ومنعها من العمل".








المساهمون