غزة: صحافيون يصطادون مهنة زملائهم

غزة: صحافيون يصطادون مهنة زملائهم

15 فبراير 2017
(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
كَسَر عدد من الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة "الخطوط الحُمر لأخلاقيات وأبجديات المهنة"، بعد أن نَصَبوا شِباكهم على مصادِر رزق زملاء لهم كانوا قد فتحوا خطوط عمل مع وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، أُغلقت نتيجة الوشايات و"العروض المُغرية"، أو كادت أن تغلق.

وتتنوع أشكال العروض المُقدمة من الصحافيين الذين عقدوا العزم على قطع الطريق على زملائهم، إذ يتم التواصل بشكل مباشر مع الوسائل الإعلامية المختلفة عن طريق عناوين الموقع، أو الحصول بطرق "غير مهنية" على الإيميلات الخاصة برؤساء تحرير أو مدراء تلك الوسائل من أجل إرسال السير الذاتية والعروض، التي يتم خلالها تقديم "خدمات أكثر، بأسعار أقل".

حداثة عهد بعض الصحافيين في مهنة الصحافة، قد توقعهم في إشكالية مُراسَلة قناة أو صحيفة أو وسيلة إعلامية، جهلاً منهم بأدنى تفاصيل عمل بعض الصحافيين "الموظفين" معها، وعدم حاجة تلك الوسيلة للتعددية، لكن هذا الاحتمال يتلاشى فور معرفة الصحافي بهوية المُراسِل الحقيقي.

بعض أولئك الصحافيين تجاوز حدود تقديم العروض المُغرية لوسائل الإعلام التي قد تُنهي عقدها مع مراسلها طمعاً بسعر أقل، ووصل إلى حد "الوِشاية"، عبر إرسال معلومات غير حقيقية، أو اتهامات قد تصيب سُمعة المُراسل الحقيقي، وهذا ما حصل فعلاً مع بعض الحالات التي تم رصدها.

ويقول الصحافي زهير دولة، لـ"العربي الجديد"، إنه يعمل مع صحيفة "الإمارات اليوم" منذ العام 2008، تعرض خلالها لعدد من المواقف ومحاولات "التخريب" على عمله، والتي وصلت إحداها إلى التشهير به، وبعمله، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة وجود عقد له
مع الصحيفة.
ويبيّن أنه كان يعمل بنظام القطعة، وبعد ذلك تمت توسعة العمل في غزة والضفة الغربية، لكنه فوجئ بقيام صحافي من الضفة، وعدد من الصحافيين من غزة، بمراسلة الصحيفة، وتقديم عروض بثمن أقل، إضافةً إلى قيام البعض باستخدام أسلوب التشهير والإساءة، وتقديم معلومات مُضلِلة، حسب تعبيره.
ويضيف "من حسن حظي أن الصحيفة التزمت بالعقد، وكانت ترسل لي نص الرسائل التي تصلها، إذ احتوت إحدى الرسائل على محاولة للنيل من عملي، حيث استعد مُرسلها لتقديم خدمات أكثر، ومن كافة مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، وبأسعار أقل".

تلك المُراسَلات ليست فقط في الصحافة المكتوبة، يقول دولة، الذي شغل في وقت سابق منصب مدير الأخبار في الوكالة الوطنية للإعلام، مضيفاً: "تعاقدنا مع عدة قنوات سعودية ولبنانية وعراقية وغيرها، وبعد فترة من العمل قام أحد المكاتب الصحافية بالتواصل مع تلك القنوات، وقدم لها أسعاراً أقل، ما أثر سلباً على عملنا لفترة من الزمن، قبل العودة للعمل التزاماً بالعقود".

الصحافي نضال الوحيدي، والذي يعمل مصوراً حُراً، كان ضحية أخرى من ضحايا تلك المُمارسات، إذ كان يصور قصصاً لبرنامج صباحي يتم بثه على قناة عربية، وفوجئ بأن عدد التقارير والقصص المطلوبة منه بدأ بالتناقص، إلى أن توقف تماماً.
وعلم نضال بعد ذلك، وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "أحد الزملاء أخبر مؤسسته التي يعمل بها عن السعر الذي أتقاضاه مقابل التقرير، فقامت الشركة التي يعمل بها بتقديم سعر أقل من الذي أتقاضاه، ما دفع التلفزيون إلى تحويل مسار العمل".


وتعددت الحالات المُشابهة التي رصدتها "العربي الجديد"، من خلال عدة مقابلات، لكن بعض الصحافيين الذين تحدثوا عن مواقفهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم منعاً للحرج والإشكاليات، وخاصة أن بعض تلك القصص أصبحت معروفة في الوسط الإعلامي.

ورصدت "العربي الجديد"، قيام شركات إنتاج إعلامي بالدخول على خطوط عمل شركات أخرى، ما أفسد عملها، وقيام مترجم بالحصول على الإيميل الخاص بالصحيفة النرويجية التي يتواصل معها الصحافي الأصلي ومراسلتها، وكذلك قيام متدربة بالتواصل مع رئيس تحرير الصحيفة التي تتلقى فيها التدريب دون علم مديرها المُباشر، وهو المراسل الأصلي.

ويقول الصحافي عبد الله أبو حشيش إنه استلم مهمته كمراسل لإحدى الصحف الأميركية الناطقة باللغة العربية عام 2009، وفوجئ بقيام أحد الصحافيين بمراسلة إدارة الصحيفة للعمل معها، لكن محاولته فشلت، وقام بعدها بتغطية أحداث الثورة المصرية، والحرب الثانية على قطاع غزة.
ويضيف أبو حشيش، لـ"العربي الجديد"، أنه واصل بالعمل مع الصحيفة حتى عام 2013، حين قامت إحدى الصحافيات بمراسلة الإدارة مجدداً، شارحة ظروفها المعيشية، ما أحدث حالة خلاف مقصودة من إدارة الصحيفة، حتى أنهت عمله، وحصلت تلك الصحافية على مكانه بمرتب أقل بـ70 بالمئة مما كان يتقاضاه"، وفق قوله.

أما الإعلامية مها أبو شهوان، فقد تواصل معها موقع عربي دولي لإعداد التقارير من غزة، وبدأت تزويدهم بالقصص والتقارير الإنسانية من مدينتها، لكن بعد فترة من انتشار التقارير باسمها على الموقع، طالبها عدد من زملائها الصحافيين الذين يعملون بغزة بعنوان للتواصل مع الموقع.
ولم تمانع مها ذلك، لكن أحد زملاء شهوان، أخبرها، وفق قولها، أن الموقع لا يريد أن تكتب لهم من غزة وسيكتفون به كمراسل لهم، لتكتشف بعدها أن زميلها يحاول إبعادها عن مراسلة الموقع لينفرد وحده بمراسلتهم.
وتشير شهوان لـ"العربي الجديد"، إلى أنه وبعد شهر من توقفها عن المراسلة، جاءتها رسالة إلكترونية من الموقع الذي تعمل به لتزودهم بأفكار جديدة لتقارير من غزة، فراجعت أحد زملائها في الموقع الرئيسي لتكتشف أمر زميلها الأول.
وتبين شهوان أنّ الحادثة تكررت معها أكثر من مرة، مُفسرة ذلك بأن الكثير من خريجي الصحافة لا يجدون فرصة عمل، فيحاولون البحث في الخارج ليثبتوا ذاتهم بأي طريقة حتى لو كانت على حساب لقمة عيش زملائهم.

من ناحيته، يُحمل نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين في غزة، تحسين الأسطل، بعض الصحافيين المسؤولية من خلال عدم حصولهم على عقد عمل يمكن أن يحمي مهنتهم، مؤكداً على أهمية حصول كل صحافي على ذلك العقد مع المؤسسة الإعلامية الدولية أو حتى المحلية التي يعمل معها، من أجل خلق بيئة ملائمة لعمله الصحافي.
ويوضح الأسطل لـ"العربي الجديد"، أن نقابة الصحافيين تتحرك فور ورود أي شكوى وتتواصل مع المؤسسة الإعلامية وطرفي الخلاف، مبيناً أن وجود عقد عمل بحوزة المُراسل الحقيقي يقوي موقفه، بينما يتم حل القضية وُدياً وأخلاقياً في حال عدم وجوده.
ويبين الأسطل أن النقابة تمكنت من حل عدة خلافات من هذا النوع نتيجة وجود رغبة في الحل
عند الطرفين، داعياً كل الإعلاميين إلى حفظ حقوقهم عبر التعاقد مع المؤسسات الإعلامية التي يعملون معها، وإخبار النقابة بهذا التعاقد، وإعلانه للجميع، من أجل المساهمة في ترتيب واقع العمل الإعلامي.

بدوره، يؤكد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، أنّ تزايد هذه الظاهرة جاء نتيجة كثرة خريجي الإعلام، ومحدودية فرص العمل، إضافة إلى تراجع اهتمام وسائل الإعلام الدولية بأخبار قطاع غزة، لصالح مناطق أخرى.
ويوضح معروف أن عدداً من الصحافيين الجدد أو الذين خسروا عملهم مع وسائل إعلام عملوا معها لسنوات، يسعون لإيجاد مصدر رزق على حساب زملاء مهنتهم، عبر تقديم عروض يعتبرون أنها "مُنافِسة".
ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الظاهرة ليست جديدة، وبدأت مع شركات الإنتاج وعقود العمل مع الفضائيات من خلال تقديم عروض أسعار زهيدة، حَطّت من أسعار المواد الإعلامية، مبيناً أن مُحاربة مثل هذه الظاهرة من اختصاص نقابة الصحافيين، التي يرى أنها بحاجة إلى ترتيب بيتها من أجل القدرة على القيام بدورها.
ويبين معروف أن المكتب الإعلامي الحكومي جهة إشراف ومتابعة، ولا يختص بالقضايا الإدارية، لكنه يحاول التعديل في هذا الجانب عبر تجهيز قاعدة للسلوك المهني مع شركات الإنتاج، تُحدد الحد الأدنى من الأسعار، وآليات المنافسة، كذلك تحظر تعدي أي زميل على زميل آخر لم ينتهِ عقده مع وسيلته الإعلامية.