ماذا يعني تلاعب "فيسبوك" بالأخبار.. وما هي خطورته؟

ماذا يعني تلاعب "فيسبوك" بالأخبار.. وما هي خطورته؟

14 مايو 2016
يواصل "فيسبوك" تأكيد حياديته السياسية (Getty)
+ الخط -
قد يظنّ البعض أنّ التقارير التي تحدثت عن تلاعب "فيسبوك" بقائمة التريند ثانويّة، أو غير ذات قيمة حقيقيّة. لكنّ النظر إلى ما يُمكن أن يحقّقه الموقع في تغيير الآراء السياسية بسبب الأمر يقول عكس ذلك

نشرت أخيرًا تقارير تفيد بتلاعب موقع فيسبوك بطريقة عرض الأخبار في قائمة الأكثر تداولا لتوجهات سياسية معينة. وبحسب التقرير الذي نشره موقع "Gizmodo"، أعلن موظفون سابقون في "فيسبوك" أنّ الشركة تتلاعب في قائمة الأكثر تداولاً "تريند" لأسباب سياسيّة، من خلال حذف الأخبار التي تتعلق بالمحافظين.

وقابل الموقع حوالي 12 صحافيًا شابًا من العاملين السابقين في فريق "الأخبار الأكثر تداولاً" بفيسبوك، الذين كانت مهمتهم اختيار المواضيع التي تظهر في قائمة الأكثر تداولاً. وأوضح العاملون السابقون أن مهامهم في العمل قراءة القائمة الخاصة بالإشارات (mentions) الأكثر تداولاً يوميًا بناءً على خوارزميات فيسبوك. بعد ذلك يقوم الفريق بوصل هذه الإشارات بالأخبار والقصص الأكثر ملاءمة وحداثة وتحديد أكبر الأحداث التي تكون جزءا من المباحثات والنقاشات على الشبكة، كما يقوم الفريق بكتابة خطوط عريضة لتلك المواضيع مع ملخص من ثلاثة جمل وصورة.

القيمون على الأخبار يختارون أيضًا أقوى منشور (most substantive post) لتلخيص موضوع ما من مواقع إخبارية. وقال الموظفون السابقون إنه كان يُطلب منهم كتابة عناوين عريضة حيادية، ودعم فيديوهات فقط إن تم رفعها على فيسبوك. ويطلب منهم أيضا اختيار مقالات من لائحة الوسائل الإعلامية المفضّلة التي تتضمن مواقع، كـ"نيويورك تايمز"، "تايم"، "فرايتي"، ووسائل إعلام تقليدية أخرى.


وهذه الادعاءات دعمت لاحقًا عندما تقدم فريق آخر من الموقع بوقائع تفصيلية مشابهة، وشارك أحدهم في لائحة من القصص التي تم حجبها بشكل دوري. وبحسب الموظف السابق، تضم اللائحة أشخاصاً كـ"المسؤولة السابقة في خدمة الإيرادات الداخلية (IRS) لويس ليرنر، التي اتهمها الجمهوريون بالتدقيق غير اللائق بالجماعات المحافظة، ومحافظ ويسكنسن سكوت واكر، ودرادج ريبورت (Drudge Report) مجمع الأخبار المحافظ ذي الشعبية الواسعة، وكريس كايلي، الجندي بالبحرية الأميركية والقناص صاحب أكبر عدد عمليات القنص، والذي قتل في عام 2013، بالإضافة إلى ستيفن كرودرن المتعاون مع فوكس نيوز". وبعد تداول هذه المعلومات، رفع ستيفن دعوى على فيسبوك بسبب سياسات الرقابة والحجب، وطلب المعلومات من قبل الموقع.

أما الضربة التي اعتُبرت "قاضية"، فكانت في تقرير صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، التي نشرت وثائق حصلت عليها، تؤكد تدريب محررين في موقع "فيسبوك" يعملون على اختيار أخبار معينة ونشرها في زوايا الأكثر تداولاً. ونقلت الصحيفة تأكيد موظفين سابقين في "فيسبوك" قيامهم بإضافة مقالات وأخبار إلى لوائح الأكثر تداولاً بطريقة يدوية.

ويشير موقع "شيكاغو تريبيون"، في السياق نفسه، إلى الانتقادات التي وُجّهت إلى "فيسبوك" لعدم إبراز أي أخبار تتعلق بحملة Black Lives Matter العام الماضي، أدت إلى إضافتها من قبل الموظفين. 



مسارعة للنفي

اختلفت ردود الفعل على التقرير، ورد متحدث باسم "فيسبوك" إنّ "هناك مبادئ توجيهية صارمة لفريق المراجعة لضمان الاتساق والحياد. هذه المبادئ التوجيهية لا تسمح بقمع وجهات النظر السياسية، كما أنها لا تسمح بوضع أولويات لوجهة نظر على أخرى أو وسيلة إعلامية واحدة على أخرى".

وبعد تقرير "ذا غارديان"، أكد متحدث باسم "فيسبوك" لموقع "هافنغتون بوست" أن الوثائق قديمة وتستعرض خطوطاً تحريرية تم تعديلها خلال السنوات الماضية.

من جهته، نشر مؤسس الموقع مارك زوكربيرغ على صفحته على "فيسبوك" شرحاً لما حصل وقال: "وردت معلومات في تقرير تداوله عدد من الصحف أن فيسبوك يتدخّل بسياسة إبراز المواضيع الأكثر تداولاً، وأننا في الموقع نتجنب إبراز المواضيع المحافظة، يهمنا أن نوضح أننا نأخذ ما ورد في التقرير على محمل الجد، وأننا بصدد الشروع بتحقيقات تكشف أي تفاصيل. وإن وجدنا أي إخلالات تتعارض مع سياستنا، أتعهد بالقيام بمواجهتها والحد منها شخصياً. وسأدعو في الأيام المقبلة عدداً من القادة المحافظين من كافة الخلفيات إلى نقاش جدي حول الموضوع المذكور، للاستماع لوجهات النظر المختلفة، إبان تسريب الوثائق".



التأثير على الإعلام والقراء

بغض النظر إن كان ذلك حقيقيا أم لا، فيسبوك يمتلك تأثيرا كبيرا على كيفية استهلاكنا للإعلام وكيف نبقى على اطلاع حول الأحداث في العالم، ولكن فيسبوك أيضًا هو شركة خاصة، وتستطيع نشر ما يحلو لها.

وبالرغم من أنّ الموقع ليس المنصة الوحيدة للأخبار، إلا أنّ كثيرين يلجأون إليه لمعرفة الأخبار يومياً. فمنصة "فيسبوك" لديها تأثير كبير جداً على مستخدميه. ويستخدم "فيسبوك" حوالي مليار شخص يوميًا، ومعظم المستخدمين يقضون حوالي أكثر من 50 دقيقة يوميا على فيسبوك أو إنستغرام أو ماسينجر. 

لكنّ المزاعم الأخيرة تُبرز بشكل أكبر مشكلة الثقة بين المستخدمين والشركة. لذا، "على الشركة أن تنشر سياستها بالنسبة لتداول الأخبار وإتاحتها أو حجبها في قائمتي "التريند" و"News Feed"، كي يعي المستخدمون إن كان ذلك يتلاءم معهم أم لا"، تقول مجلة "تايم" على موقعها الإلكتروني، مشيرةً إلى أنّ "الوقت حان ليعلن "فيسبوك" كيف يختار ما نقرأ".



المشكلة الأكبر، بحسب "سوشال ميديا توداي"، هي في قول الموظفين إنهم يتلاعبون بالعناوين الإخبارية عبر إدخال قصص يحسون أنها يجب أن تكون من الأكثر تداولاً، وحجب أخرى لا يريدونها على الشبكة. أما المشكلة الحقيقية، بحسب "ذا غارديان"، فتكمن في تأثير لوائح الأكثر تداولاً على الإعلام والصحافيين الذين يعتمدون على ما يرد فيها لإبراز الأخبار الأولية ونشر التقارير التي تُقدّر أهميتها معظم الوقت بحسب لوائح الأكثر تداولاً على شبكات التواصل. 

كما تصبح المزاعم الأخيرة أكثر رعباً عندما ننظر إلى سعي فيسبوك ليكون من أكثر المؤثرين في مجال الأخبار والإعلام. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن "فيسبوك" عن توسيعه لبرنامج "Instant Articles"، وهو عبارة عن نشر المقالات من المواقع المختلفة بطريقة مباشرة على فيسبوك، بدون روابط خارجية لتسهيل وتسريع عملية القراءة والاستخدام عبر الهاتف للمستخدمين. هذا عدا عن خدمة "Facebook News Wire"، وهي صفحة تنشر الأخبار العاجلة أو الأكثر تداولاً، بهدف مساعدة الصحافيين لمعرفة الأخبار على الموقع.


التأثير السياسي.. والانتخابات الأميركية

في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، كتب مارك زوكربيرغ مؤسس "فيسبوك"، منشوراً على صفحته الخاصة رد فيه على المرشح الرئاسي الأميركي، الجمهوري دونالد ترامب، في تصريحاته حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، كان أليكس كانترويز، الصحافي في "BuzzFeed"، قد أثار تساؤلات عن معارضة مارك لترامب، مشيراً إلى أن فيسبوك يستطيع تغيير طريقة التصويت إن أراد ذلك، بحيث يجعل فوز ترامب صعباً. الأمر نفسه أثاره Nunez الذي كتب في إبريل/ نيسان الماضي أنّ موظفين في "فيسبوك" ناقشوا مسؤوليتهم حول جعل فوز ترامب صعباً. السؤال هذا يبدو أنه لم يلقَ إجابةً من زوكربيرغ، في حين قال متحدث باسم "فيسبوك" لـThe Hill، إنّ المؤسسة حيادية. وقال إنّ "فيسبوك" لن يتدخل في عملية التصويت، وأنه لن يحجب صوت ترامب من المنصة، أو يتدخل في العملية السياسية.


ولفيسبوك تأثير كبير على المستخدمين على جميع الصعد، خصوصاً النفسية والإخبارية منها. وتقول إحصاءات أجريت في العام 2010، ونقلها "سوشال ميديا توداي"، إنّ 340 ألف شخص اقترعوا في انتخابات الكونغرس بسبب رسالة واحدة على "فيسبوك". يساعد ذلك على فهم تأثير القصص المتداولة على "فيسبوك" على آراء المستخدمين السياسيّة، أو حتى دفع رسالة ما. فقد قام الموقع عام 2010 بإجراء اختبار، حيث أرسل لـ611 ألف مستخدم (نسبتهم 1 بالمئة) رسالة "إخبارية" أفادت بعدد المصوّتين ومكان التصويت الخاص بهم ومربّع "صوّتتُ" للضغط عليه في حال صوّت المستخدم، بينما أرسل لـ98 بالمئة من المستخدمين رسالة "اجتماعية" تحتوي، إضافة إلى ما وجد في الرسالة الإخبارية، على صور ستة من أصدقاء المستخدم الذين صوّتوا، بينما بقيت نسبة 1 بالمئة من دون أي رسائل. وأظهرت النتائج أنّ من شاهدوا صور أصدقائهم كانوا أكثر ميلاً للتصويت.


التحوّل إلى هدف سياسي

جعلت البلبلة الناتجة عن التصريحات المؤكدة حول حدوث التلاعب على صفحة "التريند" لتوجهات سياسية، من "فيسبوك" هدفاً للتحليلات الإعلاميّة. فكانت ردود الفعل تتراوح بين أولى مؤكدةً بشكل قاطع حدوث التلاعب، لا بل مُستغلّةً للموضوع، كمواقع المحافظين والجمهوريين الأميركيين، وبين أخرى محلّلة لسبب وصول الموقع إلى كونه هدفاً سياسيًا لهذا الفريق السياسي، ومدافعةً عنه بشكل أو بآخر.

ورأت مجلة "تايم"، في مقال على موقعها الإلكتروني، أنّ "السبب الأبرز وراء تحوّل فيسبوك إلى هدف سياسي، هو كونه يسحب التأثير من أي وسيلة تقليديّة". وأضافت "تايم": "إن فيسبوك يشبه الوسائل الإعلامية، وهو يتعامل وكأنه وسيلة إعلامية.. إذاً هو وسيلة إعلامية"، مؤكدةً أنّ الموقع يواجه حرباً سياسية، إن كان يدرك ذلك أم لا. واستدلت على تأثير "فيسبوك" السياسي، عبر الحديث عن حملات دونالد ترامب وبيرني ساندرز، مشيرةً إلى أنّها انطلقت من "فيسبوك" نفسه، بينما حصل ساندرز على أغلب التمويل على الإنترنت. وأوضحت أنّ هناك تحوّلاً في مضمون النقاشات على شبكة الإنترنت، يجعل أغلب المواد المشاركة سياسيّة.

من جهته، خصّص موقع "فوكس" مقالاً مطوّلاً يشرح فيه تأثير الإعلام منذ العشرينيات وحتى اليوم، مشيراً إلى أنّ الشبكة غيّرت المفهوم. ومع تأكيد الموقع أنّ "فيسبوك" يؤثر على الأميركيين أكثر من أي وسيلة إعلامية في التاريخ، إلا أنّه أوضح أنّ التقارير الأخيرة تؤثر على أي شركة حتى تلك التي بحجم "فيسبوك". وأوضح الموقع في الوقت نفسه أنّ "فيسبوك" إن أراد التأثير سياسياً، سيتلاعب بصفحة News Feed وليس التريند، لأنها المكان الرئيسي الذي يستقي المستخدمون منه الأخبار.


التلاعب بمشاعر المستخدمين

وهذا ليس المثال الوحيد عن تأثير "فيسبوك" على رأي مستخدميه. فكان التأثير النفسي الأبرز للمنصة حول تلاعبه بالحالة العاطفيّة لهم انتشرت عام 2014. فقد تدخل "فيسبوك" في صفحة تغذية الأخبار News Feed، لنحو 700 ألف مستخدم لخدمة دراسة لقياس "عدوى المشاعر".

وعام 2012، قام الموقع بتحريف الخوارزميات التي يستخدمها لاختيار المواضيع لدراسة تأثير ذلك على حالة المستخدمين النفسية. وأظهرت الدراسة، التي أجراها باحثون تابعون لفيسبوك وآخرون من جامعتي كورنيل وكاليفورنيا في سان فرانسيسكو في الطبعة الـ17 من إصدار الأكاديمية الوطنية للعلوم في يونيو/ حزيران عام 2014، أن المستخدمين اتجهوا لوضع مواد تتسم بالإيجابية أو السلبية على صفحاتهم الشخصية حسب المواد العاطفية التي تعرضوا لها إن كانت سلبية أم إيجابية.

وسبّبت الدراسة حينها غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد مستخدمون وخبراء أن الدراسة لا تخالف سياسة الخصوصية والقانون التي حددها "فيسبوك"، لكنّها غير أخلاقية.


دلالات

المساهمون