المعلّقون الروس على الشاشات العربية... الخطاب البارد

المعلّقون الروس على الشاشات العربية... الخطاب البارد

22 أكتوبر 2016
المحللون على الشاشات والقصف الروسي مستمر (الأناضول)
+ الخط -

رغم اتساع الوجود الروسي في المنطقة، إلا أن السلاح الحربي الروسي يبدو الممثل الوحيد له، ووجه "الحضارة الروسية المدنية" التي تُريد أن تشيعها في العالم. ولعل ذلك هو أحد أهم أسباب الصعوبات التي تواجهها وسائل الإعلام العربية، التي تشاهد وجهاً روسياً تسلطياً وإجرامياً، حيث لا تستطيع التواصل إلا مع حوالي خمس المحللين الروس، لفهم الدور الروسي ومعرفة خبايا تفكير دولتهم، وخياراتها، ومشروعها في المنطقة.
يخرج المشهد الروسي من علاقة جدلية بحتة، بين المحلل الروسي وسلوك الدولة الروسية وتفكير بوتين تحديداً. فروسيا تعمل في منطق معاكس للسياسة الأميركية، التي تنهج سياسة التدخل في الدول، وحتى في شؤونها الداخلية، مباشرة أو حتى بشكل غير مباشر، فليس بالضرورة أن يكون هذا التدخل عسكريا، وإنما عبر دعم القوى المعارضة لنظام الدولة المستهدفة، أو بممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية عليها. أما روسيا فتتمسك بمبدأ الحفاظ على سيادة الدولة، وعلى نظام الحكم فيها.

ويتجلى هذا في السياسة الروسية برفض التدخل بشؤون الدول ذات السيادة، بحسب وصفها، ورفض أي تغييرات لأنظمة الحكم تأتي من خلال الشارع، أي الثورات عموماً. فنجد الروس يتجنبون التلفظ بالمقولات التي تروج في العالم كله، مثل الربيع العربي، الثورات، الانتفاضات، إلخ. بل إن هناك ميلاً لرفض ذكر كلمة الديمقراطية، إلا في وقت انتخاب بوتين، والحملة الإعلامية المصاحبة لتعيينه. من هنا نستطيع فهم السياسة الروسية عبر ألسنة المحللين الروس، الذين لا يتمتعون بأي حرية جدلية في فهم أوضاع سورية مثلاً، أو المقدرة على شرح الأسباب التي حدتهم للتدخل فيها.

قد يلخص البرود الفكري الروسي ولامبالاته بالشأن والإعلام العربي، حلقة في برنامج "الاتجاه المعاكس"، بُثت على شاشة "الجزيرة" في (9\2\2012)، حينما رن الهاتف الشخصي للضيف الروسي الأشهر في الإعلام العربي، فيتشسلاف ماتازوف، فسارع للإجابة على المتصل أثناء الحلقة، من دون أدنى احترام للمشاهدين أو لإدارة البرنامج.


ورغم أن الحلقة كانت رديئة على مستوى الحوار والنقاش والضيف المواجه، عبد الله السعيد، وهو شيخ من جبهة علماء دمشق الأحرار، والذي اكتفى بكيل الإهانات للضيف الروسي كلما سنحت له الفرصة خلال الحلقة، ونعته بصفات غير لائقة، إعلامياً وإنسانياً، لا تُجدي لموضوع الحوار نفعاً، ولا تُغني أي مشاهد، إلا أن استخفاف الروسي فيتشسلاف ماتازوف وبرودته في البرنامج، كانت كافية لتعطينا درساً حول العقلية الروسية، وما سنسمعه لسنوات أخرى منهم عبر منابر الإعلام العربي.
في روسيا، يكتفي كثيرون بالمقولات المقدسة التي ترددها حكومتهم، إضافة إلى ذلك، يبرز "البعبع" الإسلامي، الذي يداوم المعلقون الروس على تضخيمه وإثباته في خطابهم. وقياساً مع خطابات عدائية أميركية سمعناها بداية القرن الحادي والعشرين، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، يبدو التخوف من الإسلام السياسي في روسيا أشد وطأة، وينبغي أن تقابله رِدة تجاه نظام حتى لو كان غير ديمقراطي، فهو أكثر قبولاً.
يحمل الروس ثقافة الخوف على النفس بالفطرة، هذا الخوف المتخيل المبالغ به لم ينته منذ الاجتياح الألماني للبلاد إبان الحرب العالمية الثانية. بل عملت القيادة الروسية على استثمار أسطورة الخوف تلك، وتقديمها لشعب يتآكله الرعب من جارٍ إسلامي بعيدٍ جداً، ويواظب المعلقون والمحللون الروس على تكريس رؤية قيادتهم تلك، بجهد واضح. ولأن الإرهاب صار عالمياً مرتبطاً بالإسلام، لا يواجه المحللون الروس صعوبات جمة في تحويل الإسلام إلى حصان طروادة، لتبرير تدخل دولتهم عسكرياً في سورية، وتدخل العالم من بعدهم أيضاً.

ولا يخفى على من يتابع المعلقين والمحللين الروس، ملاحظة طموحهم الذاتي، الذي يخرج منهم بقالب فرح طفولي، فتمدد روسيا من إقليمها إلى العالم، يعد قفزة كبرى في حياة السياسة الروسية، وفي هذه القفزة ما يكفي لجعلهم يشيحون بوجوههم عن الجريمة، بضمير مرتاح ونفس مبتهجة لتوسع بلادهم، بعد شلل دام ربع قرن عن أي مشاركة دولية جادة.

كذلك، علينا ألا ننسى أن كل المعلقين الذين يطلون علينا، تربوا في مؤسسات سياسية روسية، لا قيمة معرفية وعلمية لها، ما تزال تعيش في زمن الاتحاد السوفييتي، حتى أننا لا نرى معلقاً أو محللاً روسياً شاباً، في حين يستفيض الكهول منهم بالتحدث إلينا، وعبر إعلامنا العربي، تكتنز ملامحهم فرحة التوسع، وسطوة السلاح المستجدة.
إن روسيا بالنسبة لمؤيدي نظام بشار الأسد، هي دولة تحمي سيادة الدول، ويحرص إعلام النظام السوري والموالي له، على ترسيخ فهم المعلقين الروس لحالة السيادة السورية، وضرورة الانتماء للجيش السوري، بوصفه مؤسسة سيادية. أما القنوات الأخرى، محايدة كانت أم غير محايدة، والتي لا تُمجد النظام وترعى إجرامه، فيخرج عليها المحلل الروسي ببروده ومبدئيته الزائفة.
في كل مكان، لا يقدم المحلل الروسي شيئاً ذا قيمة للنقاش، فهو ابن بلاد الفيتو الخامس، لحماية طاغية يرمي براميل قاتلة على شعبه.

دلالات

المساهمون