هيلين توماس: الصحافية التي دفعت ثمن الحقيقة

هيلين توماس: الصحافية التي دفعت ثمن الحقيقة

20 يوليو 2015
نالت توماس أكثر من ثلاثين شهادة فخرية (GETTY)
+ الخط -
سُئل الرئيس الكوبي، فيدال كاسترو، يوماً، عن الفرق بين الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية والديمقراطية في كوبا، فأجاب: "لستُ مضطراً للإجابة عن أسئلة هيلين توماس"، واعتبرت الأخيرة الجواب إطراءً لها. توماس قالت: "إذا أردت أن تكون محبوباً، فابحث عن مهنة أخرى غير الصحافة"، وعملت وفقاً لهذا المبدأ طوال مسيرتها المهنية التي عاصرت خلالها عشرة رؤساء أميركيين من كينيدي حتى أوباما، حيث لم ترحم أياً منهم بأسئلتها الصريحة والواضحة و"الوقحة" أحياناً أخرى.

من لبنان إلى أميركا

ولدت الصحافية الأميركية من أصل لبناني، هيلين توماس، في مدينة لاكسينغتون كانتاكي في عام 1920. إذ غادر والدها مدينة طرابلس في عام 1890، وتوجه إلى هناك، حيث أعانه بعض نسائبه على إيجاد عمل كبائع متجول. وانتقلت العائلة لاحقاً إلى المدينة الصناعية الأولى في أميركا، ديترويت، حيث درست هيلين في جامعة "واين ستايت"، وانتقلت بعدها إلى العاصمة واشنطن في 1943.

التحقت توماس هناك بمكتب وكالة الأخبار "يونايتد برس". أرسلتها الوكالة في مطلع الستينات لتغطية أخبار المرشح جون كينيدي. فتحت هذه الفرصة أمامها أبواب الحظ، خصوصاً بعدما فاز كينيدي بالرئاسة. وعلى خلفيّة تغطيتها لحملة المرشح الرئاسي جون كينيدي، انتقلت إلى الاهتمام بالأخبار اليومية، وعُيّنت كمراسلة لوكالة "يونايتد برس إنترناشيونال" في البيت الأبيض عام 1961. حفرت توماس اسمها في عالم الصحافة ونالت شهرةً، لُقبت بعدها بـ"بوذا الجالس" وبـ"السيدة الأولى في الصحافة".

قاهرة الرؤساء؟

حاربت توماس من أجل المساواة بين المرأة والرجل في حقل الصحافة. فنادي الصحافة الوطني كان ممنوعاً على النساء، لكن توماس حاربت من أجل تغيير ذلك، وكانت أول امرأة تنتسب إلى النادي عام 1959 بمساعدة السوفييت من دون أن يدروا. وحول ذلك، يُروى أنّ الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، الذي كان يزور واشنطن آنذاك، رفض أن يُلقي خطاباً في أي
مكانٍ ممنوعٍ على النساء، فاضطر نادي "الصحافة الوطني" إلى فتح أبوابه للنساء من أجل أن يلقي خطابه هناك.

وفي عام 1962 وبعد إلحاحها، اشترط الرئيس الراحل، جون كينيدي، فتح أبواب حفلة العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض وجمعيته للنساء الصحافيات، كي يقبل بحضور الحفلة، وهكذا كان.

أصبحت هيلين أول امرأة ترأس الجمعية في عام 1975. وكانت الصحافية الوحيدة التي يحمل مقعدها اسمها، على عكس التقليد المتبع من المكتب الصحافي للبيت الأبيض، الذي يحدد المقاعد بأسماء المؤسسات الإعلامية لا أسماء مندوبيها.

وتوماس هي الوحيدة، باستثناء بنات الرؤساء، التي أُعلنت خطوبتها من البيت الأبيض. وأعلنت الخبر زوجة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، باتريشيا، حين قررت هيلين الزواج من من زميلها و"منافسها اللدود"، مراسل وكالة "أسوشييتد برس" في البيت الأبيض، دوغلاس كورنيل، الذي توفي عام 1982.

رافقت هيلين توماس الرؤساء الأميركيين في جولاتهم العالمية، ويُذكر أنها كانت المرأة الوحيدة من وسيلة إعلامية مطبوعة ترافق الرئيس، نيكسون، في زيارته التاريخية إلى الصين في 1972. كما غطت أخبار "القمة الاقتصادية" لمجموعة السبع (G7) منذ عام 1975. وقامت توماس بعدد من الأخبار الحصرية الصحافية، أبرزها مقابلاتها الحصرية مع مارثا ميتشيل، زوجة الجنرال جون ميتشيل، رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد نيكسون، على خلفية فضيحة "ووتر غايت" الشهيرة في عام 1972.

عُرفت توماس بانتقادها القاسي لسياسة الرئيس، جورج دبليو بوش، وفريقه السياسي على خلفية الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، ووصفت بوش بـ"أسوأ رئيس للولايات المتحدة"، فقاطعها ثلاث سنوات. وقالت عن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إنّه"صاحب ضمير، لكنه لا يمتلك الشجاعة". أحبّت كيندي، "صاحب الكاريزما والمواقف الجريئة". أمّا بيل كلينتون، فكان يلاقيها بقطعة حلوى في عيد ميلادها كلّ 4 آب/أغسطس رغم انتقاداتها له ولزوجته وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون.

اقرأ أيضاً: عربي... إذاً هو إرهابي

فلسطين القضيّة

استقالت توماس من عملها مع "يونايتد برس إنترناشيونال" في عام 2000، بعد تبدّل مالكيها، وانضمت إلى صحيفة "هيرست" ككاتبة عامود رأي حول القضايا الوطنية وسياسات البيت
الأبيض. بقيت توماس في "هيرست" حتى تقاعدها في عام 2010 بعد عاصفة النقد التي واجهتها إثر تصريح أدلت به على هامش احتفال رعاه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في إطار ما يسمى "شهر التراث اليهودي". إذ سُئلت توماس حينها عن رأيها في إسرائيل، فأجابت مباشرة: "ليخرجوا من فلسطين إلى الجحيم". وقالت عن الفلسطينيين إنّ "هؤلاء تحت الاحتلال وهذا وطنهم... فلسطين ليست ألمانيا ولا بولندا". ولدى سؤالها: "إلى أين سيذهب اليهود؟"، أجابت: "ليعودوا إلى وطنهم إلى بولندا وألمانيا، إلى الولايات المتحدة، إلى أي مكان آخر". كما هاجمت توماس إسرائيل بشدة، على خلفية الجريمة التي ارتكبتها ضد أسطول الحرية، واصفة ما جرى بالمجزرة.

وفي تداعيات هذه الحادثة، وصفت توماس البيت الأبيض والكونغرس وهوليوود و"وول ستريت" بأنهم "مملوكون من الصهاينة". ورغم أنها اعتذرت عن تعليقاتها لاحقاً، أوقفت جامعة "وين ستايت" في ديترويت منح "جائزة هيلين توماس لروح التنوع" بحجة "معاداة السامية". كما أوقفت "جمعية مراسلي البيت الأبيض" منح "جائزة هيلين توماس لإنجاز الحياة" للسبب نفسه.



كتبت توماس حول تجربتها في البيت الأبيض، ونشرت عدداً من الكتب، منها: "الصف الأول بالبيت الأبيض: حياتي والعصور" و"شكراً للذكريات أيها السيد الرئيس" و"كلاب حراسة الديمقراطية". كما شاركت مع كتاب آخرين في تأليف بعض الكتب. وشاركت، أيضاً، في فيلم مايكل مور الشهير"فهرنهايت 9/11" في عام 2004، وفي أفلام أخرى منها "دايف" و"ذا أميريكان بريزدنت". توماس التي توفيت في 20 تموز/يوليو من عام 2013، حصلت خلال مسيرتها المهنية على أكثر من ثلاثين شهادة فخرية، ونالت جوائز عديدة بينها "جائزة وليام آلن وايت للصحافة" من جامعة كنساس، و"جائزة آل نوهارث" من "منتدى الحرية".


اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي "حرب عالمية ثالثة"

المساهمون