الإعلام الأميركي يعترف: أخطأنا بعد 9/11

الإعلام الأميركي يعترف: أخطأنا بعد 9/11

01 فبراير 2015
عدد "واشنطن بوست" غداة 11 سبتمبر (فرانس برس)
+ الخط -

بعد اعتداء "شارلي إيبدو" بأيام بدأ الإعلام الفرنسي يطرح تلك الأسئلة المنطقية عن الانفعال في تغطية الحدث، وعن رمي الاتهامات يميناً ويساراً إلى المسلمين بتدمير حرية التعبير الفرنسية. أولى هذه الصحف كانت "ليبيراسيون" التي فتحت صفحاتها لهؤلاء الذين رفضوا شعار "أنا شارلي" على اعتبار أنهم يرفضون الإرهاب، لكنهم أيضاً يرفضون التطاول على المقدسات الدينية. الصحافة الفرنسية إذاً حاولت مبكراً تدارك خطابها وعدم الانجرار إلى المشهد الإعلامي الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

"لم نملك الجرأة"

أما في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، فكان الاعتداء الدامي على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس، مناسبة لمراجعة خطابها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وأولى نتائج هذه المراجعة
جاءت على لسان رئيس تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" دين باكيت الذي قال حرفياً: "بعد الاعتداءات لم يقم الإعلام التقليدي في الولايات المتحدة بدوره المطلوب". ورغم إشارته إلى تقصير كل وسائل الإعلام، إلا أنه خص "نيويورك تايمز" التي يرأس تحريرها منذ مايو/أيار 2014، و"لوس أنجلس تايمز" التي كان رئيساً لتحريرها عند وقوع هجمات سبتمبر/أيلول 2001.

وقال باكيت في مقابلة مع "دير شبيغل" الألمانية: "بعد 11 سبتمبر لم يكن الإعلام الأميركي جريئاً كفاية ليطرح أسئلة حول الهجمات، وحول الذهاب في حرب عسكرية إلى العراق، ولم يكن جريئاً ليطرح أسئلة حول حقيقة ما سمي بالحرب على الإرهاب".

لكن باكيت لم يكن الوحيد الذي أعاد تقييم أداء الإعلام بعد تدمير برجي التجارة العالميَين. فأغلب الصحف الأميركية والمواقع الإلكترونية استغلّت جريمة باريس، لتعيد تقييم أدائها، مستشهدة بما كشفته إحدى الدراسات الصادرة حديثاً في واشنطن عن "الحملة الوطنية للسيخ". إذ كشفت الدراسة نتائج تضيء على تقصير الإعلام الأميركي في شرح حقيقة اختلاف الأديان للجمهور. وفي النتائج تبيّن أن "ستون في المائة من الأميركيين لا يعرفون التمييز بين المسلمين وأبناء ديانة السيخ" رغم كل الكلام عن الأديان خلال الأربعة عشر عاماً التي مضت. وعلّقت المواقع الأميركية على هذه الدراسة بالقول إن كل الكلام عن المسلمين خلال أكثر من عقد لم ينفع... "لا بدّ أننا أخطأنا في مكان ما".

بين باريس ونيويورك: تكرر الأخطاء

أما موقع "بريت بارت" النقدي، فاعتبر أن تغطية الإعلام لاعتداء "شارلي إيبدو" يشبه إلى حدّ كبير تغطية هجمات 11 سبتمبر/أيلول. كيف؟ يستشهد الموقع بما قالته "فوكس نيوز" عن وجود مناطق يسكنها مسلمون في باريس يمنع على الشرطة دخولها. ليقول بأن الكلام نفسه سمعناه بعد هجمات سبتمبر 2001. ويستشهد بمقالات وتقارير عرضت على شبكة "إن بي سي" ونشرت في "نيويورك تايمز"، وأشارت إلى وجود مناطق وأحياء يسكنها عرب ويمنع على الشرطة الدخول إليها.

وفي مقاربة سريعة بين تعاطي الإعلامين الفرنسي والأميركي مع حادثي "شارلي إيبدو" و11 سبتمبر/أيلول، يبدو التماهي مخيفاً. ففي الأيام الأولى بعد 11 سبتمبر وثقت "مجلة الأديان
والمجتمع" تغطية أغلب وسائل الإعلام، التي خرجت في البداية ترفض سوق المسلمين كلهم في العصا نفسها، وترفض ربطهم بالإرهاب. وهو ما يحصل حالياً في الإعلام الفرنسي، حيث تنشط الحلقات المباشرة والمقالات التي ترفض تعميم الإرهاب على كل المسلمين، بل تذهب أبعد من ذلك في لوم الدولة الفرنسية على تهميش المسلمين، وترك قسم منهم يعيش في ضواحٍ فقيرة.

لكن الدراسة الأميركية نفسها، تشير إلى الطريقة التي تغيّر فيها تعاطي الإعلام الأميركي مع المسلمين بمرور الأسابيع الأولى للهجوم على برجي التجارة، خصوصاً في الإعلام اليميني، "فوكس نيوز" بالدرجة الأولى: اتهامات للمسلمين بتغيير وجه أميركا، وباستغلال حرية التعبير لتدمير الولايات المتحدة ونشر القتل "علماً أن أغلب الدراسات تشير إلى أن أكثر من 80 في المائة من عمليات القتل في أميركا يرتكبها غير المسلمين". وتطوّر الخطاب للتهليل لـ "الحرب على الإرهاب" واحتلال أفغانستان ثم العراق، من دون أي مساءلة. وهو ما يشبه تماماً ما يحصل في الدول الأمنية. فهل يتغيّر الخطاب الإعلامي الفرنسي مع مرور الوقت، واتخاذ السلطات الفرنسية لتدابير أمنية أو قانونية ضد المسلمين؟

العناوين نفسها

وعند مراجعة الصور لأغلفة الصحف غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، تتشابه في عناونيها كثيراً مع عناوين الصحف الفرنسية غداة الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس. العناوين شبه موحدة. في واشنطن: "الإرهاب يضرب الولايات المتحدة"،
أو "أميركا في قلب الإرهاب". أما في باريس، فـ"أنا شارلي... الإرهاب يضرب فرنسا".

ولعلّ هذا التشابه المخيف هو الذي دفع الإعلام الأميركي إلى إجراء "جردة حساب" بعد مرور قرابة 14 عاماً على هجمات برجي التجارة. وإن عبّرت كل الصحف الأميركية عن تضامنها الواسع مع صحيفة "شارلي إيبدو" وخصصت لها صفحاتها الأولى طيلة حوالي أسبوع، إلا أن معظمها ابتعد عن الانفعال الذي عاشته بعد هجمات 11 سبتمبر، وحاولت وضع الهجوم في إطار ما يحصل في مختلف الدول من مواجهات مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
حتى أنّ بعضها استدرك الامر سريعاً وذهب إلى نشر دراسات جامعية تشير إلى عدم وجود أي علاقة بين "الإرهاب والجريمة" وبين المسلمين تحديداً في الولايات المتحدة. كما أن قسماً من برامج التوك شو الأميركي عمدت سريعاً إلى استقبال ضيوف مسلمين من أميركا وأوروبا للحديث عن مشاكل الدمج والاحتواء في بعض المجتمعات التي لا تزال حتى الساعة ترفض المسلمين.


كيف أبلينا؟

"كيف أبلينا؟" تسأل "الأتلانتيك" على موقعها الإلكتروني طارحة علامات استفهام حول أداء وسائل الإعلام بعد كل هذه السنوات على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. ويستشهد الموقع بكتاب مراسل "نيويورك تايمز" إريك ليختبلاو الذي حمل عنوان: "في قانون بوش: إعادة صناعة العدالة الأميركية".

ويقول المراسل في كتابه إن الإعلام الأميركي وضع كما كل المجتمع الأميركي في أجواء من الخوف والغضب ضد المسلمين بعد الهجمات. ويكشف كيف ساعد الإعلام أجهزة المخابرات على تدمير حياة آلاف "المشتبه بأنهم إرهابيون"، أي هؤلاء الذين وصموا بالإرهاب من دون وجه حق فقط لأنهم مسلمون. بعد الاستشهاد بالكتاب، تتابع "الأتلانتيك" تحليلها بين الولايات المتحدة وبريطانيا مفنّدة أمثلة عدّة حول الطريقة التي دخل فيه الصحافيون في "أكذوبة الدولة الأمنية" وساقوا الاتهامات يمينا ويساراً لأشخاص أبرياء تهمتهم الوحيدة أنهم مسلمون. كذلك أشار الموقع إلى "التنويم المغناطيسي" الذي تعرّض له الإعلام الأميركي من قبل إدارة بوش، "بتنا نستعمل نفس المفردات التي يستعملونها، يقولون عن معتقلي أبو غريب، موقوفون فنردد خلفهم موقوفون، بينما هم معتقلون سجناء".

المشهد الآن

لا تزال حتى الساعة تخرج أصوات في الإعلام الأميركي تتهم المسلمين بالإرهاب، وجاءت اعتداءات باريس لتعطيهم حجة مناسبة لاستعادة خطابهم شبه "الفاشي" ضد العرب والمسلمين.
بين هذه القنوات طبعاً "فوكس نيوز" التي تسوق الاتهامات كل ما سنحت لها الفرصة ضد المسلمين، منذ 11 سبتمبر/أيلول حتى الساعة. إلى جانب الإعلامي الأميركي بيل ماهر، الذي أطلّ قبل أشهر في برنامجه على قناة HBO ليخبرنا أن كل المسلمين إرهابيون... ثمّ أطلّ ليلة أول من أمس في برنامجه نفسه لينتقد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على السعودية للتعزية بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وقال: "السعوديون متخلفون وتقاليدهم تعود إلى القرون الوسطى"، مهنئاً ميشال أوباما على رفضها ارتداء الحجاب أثناء التعزية. لكن رغم كل هذا التحريض، بدأت تخرج مراجعة حقيقة للأداء الإعلامي منذ 14 عاماً حتى اليوم، وهو أمر يبشّر بتغيير معيّن في الخطاب الإعلامي.


المساهمون