اللهمّ عجّل بالنيزك

اللهمّ عجّل بالنيزك

07 نوفمبر 2016
تفصيل من "حديقة المسرّات الأرضية" لـ هيرونيموس بوس
+ الخط -

تتسع ذاكرتنا البشريّة الموثّقة حتى الآن لعشرة آلاف سنةٍ من التاريخ تقريبًا؛ لم يغب عن أيٍّ من فصولها مناشدة البشر للمخلّص الذي سيأتي في آخر الزمان وينقذهم من الشرّ. حتى أن الحضارات الفرعونية والسومرية والآشوريّة، وكافة الأديان، ومن قبلها معتقدات الفايكنغ، ألِفَت هذا النوع من التفكير ومارست له طقوسًا، منها ما يزال قائمًا إلى يومنا، ولا ندري حتى الآن ما إذا كان أسلاف الجنس البشري تبنّوا مثل هذه الأفكار أيضًا، فكل ما نعلمه أنّ هذا النوع من الآمال الإنسانية المعقودة على الخلاص من الشر موجودة قدمَ وجودنا.

كلّما اشتعلت الأزمات السياسيّة وخلّفت وراءها حربًا ودمارًا وبؤسًا، سمعنا دعواتٍ أكثر وأشد استعجالًا وأملًا، فالأمر لا ينحصر بانتظار المهدي عند المسلمين، أو بعودة يسوع المسيح، بل يتجاوزه ليدخل في معتقدات بعض "العلمانيين" الذين ينتظرون الخلاص المرجو من اصطدام نيزك في كوكبنا، قبل أن يعود ويُربط مجددًا بالموروث الديني للمنطقة، فتلصق به متلازمة "عجّلَ الله فرَجَه"، في إشارة إلى قدوم المهدي.

لا شك، من الناحية العلمية، أن فكرة اصطدامنا بنيزك أمرٌ محتمل، خصوصًا أن أبحاث الفضاء التي مهّد كارل ساغان للمتلقي العادي غير المختص فرصة فهمها، تخبرنا بفرصة اصطدام جُسيم بحجم ملعب كرة قدم بكوكبنا مرّةً  كل مئتي ألف سنة تقريبًا، والتي إن حدثت فستؤدي إلى انتشار ركام من الصخور على مساحة الأرض بأكملها، فيما لو وصلت مساحة هذا الجسيم إلى بضعة كيلومترات، ونظرًا لعدم توفر بيانات تشير إلى آخر مرة حدثت فيها مثل هذه التصادمات، فربما يكون اصطدامها أمرًا وشيكًا كما يتمنى بعضهم.

صحيح أن دعوات مثل "اللّهم عجّل بالنيزك"، تحمل طابع السخرية من الفرد والمجتمع أحيانًا، ومن الموروث الديني والفكري أحيانًا أخرى، بحسب قائلها والسّياق التي وُظّفت فيه، إلا أنها تذهب أحيانًا لتكون بمثابة مؤشرٍ على مقدار اليأس وانعدام الأمل عند أصحابها، بل تدل في سياقات أخرى على اعتقاد الفرد بأنه الوحيد الذي يملك الحقيقة، وأن الآخرين بنظره مجرّد مجاميع من الحمقى والأغبياء التي ما تنفك تتسبب له بالضيق والمعاناة.

هذا التوجّه الأخير تحديدًا، آتٍ من تيار فكري أدبي، وهو ليس تفكيرًا فريدًا أو مستحدثًا على كل حال، بل إن الكاتب الإنكليزي كولن ويلسون تطرق له في عمله الأشهر "اللامنتمي"، الذي تناول دراسة وتحليل للشخصيات الرئيسية لأعمال عدد من الكتّاب، ليس أولهم أو آخرهم فيودور دوستويفسكي، الذي قدم لنا قبل أكثر من قرن، شخصيّة "راسكولينكوف".

هذا الأخير، طالب فقير انطوائي، قادته أفكاره العدميّة للقتل ثم إلى السجن، حيث تراءى له هناك، وهو على فراش المرض، أن طفيليات غريبة غزت الجنس البشري، بحيث راح كل فرد يعتقد أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة، إلى أن قاد القتال البشر للقضاء بعضهم على بعض، وهم ينتظرون مجموعة من الأطهار المخلصين، الذين لم يرَهَم أحد ولم يُسمع لهم صوت.

ليس من باب المبالغة الذهاب بالقول إلى وجود موجة من العدمية والسوداوية تجتاح الشباب، يعزز هذا الاعتقاد، الانتشار الواسع والمفاجئ في حجم قراءات كُتّاب عدميين، أمثال إميل سيوران، أو عبثيين مثل شارل بوكوفسكي، وكأن طفرة ما حدثت، فنقلت القارئ العربي من عالم الرومانسية والنوستالجيا التي اشتهر بها إلى العدمية دفعة واحدة.

من الصعب في هذه المرحلة انتظار هبوط الرحمة من السماء، كما لا رجاء من تحقق السلام والطمأنينة في المستقبل القريب، على الأقل هذا ما ينبئ به تاريخ هذه المنطقة تحديدًا، وما يمكن استشرافه من تحليلات ودراسات مراكز الأبحاث، وكلما زاد الضغط، علينا أن نتوقّع انفجارًا يوازيه قوة، كوقع اصطدام "النيزك المنتظر" بكوكبنا مثلًا، فينتهي العالم أو يُسمح على الأقل لذاك الإنسان الخارق، المتفرّد في الحقيقة، أن يعيش بمفرده.

المساهمون