"تيجان الرأس" في العراق.. من القداسة إلى التنكيت

"تيجان الرأس" في العراق.. من القداسة إلى التنكيت

06 اغسطس 2017
(في البصرة، تصوير: حيدر الأسدي)
+ الخط -

"إخلع تاج راسك" عبارة وضعت بجانب العديد من معرفات الشباب على صفحاتهم في فيسبوك من مختلف الانتماءات المذهبية والقبلية، لتغلق الباب في وجه من يعترض على منشورات تمسّ شخصيات من الوسط الديني أو السياسي بطريقة الشتم والتهديد، والتي عادة ما تنتهي بعبارة "فلان تاج رأسك".

ويمكن تعريف "تاج الرأس" بأنه قيادي لـ فصيل مسلّح، أو رجل دين، أو سياسي امتلك جيشًا إلكترونيًا للدفاع عنه والتنكيل بمنتقديه وتهديدهم. كان اسمه في بداية احتلال "داعش" لأراضٍ عراقية محاطًا بهالة من الرهبة والقداسة، لكن بعد تحرير العديد من المدن العراقية ولا سيما الموصل، فقدت هالته الكثير من سحرها، وأصبح جنود جيشه الإلكتروني عاجزين عن التصدّي للشباب الغاضب والمنتمي لقيادة قوّاته المسلحة التي ساهمت في تحرير الأرض.

يقول المدوّن مرتضى محمد في حديث إلى"جيل" إن الناس كانت تخاف في السابق من الشخصيات التي توسم بلقب "تيجان الرؤوس" من قبل محبّيها، وكانت هالة القدسية التي تحظى بها العمامة على وجه الحديد، تمنع الكثير من مسّ هذه الشخصيات لكن الأمر بعد سقوط الموصل تغيّر بشكل عجيب وتحرّر الكثير الناس من هذا الرابط على حدّ تعبيره.

كثير من "تيجان الرأس" يخوضون الآن ماراثونهم الانتخابي بالطريقة نفسها التي خاضوها من قبل، فأصبحوا يكثرون من الظهور الإعلامي، ويتحدّثون باسم الشعب "الجريح"، وكيف سيعملون كضمادة لنزفه. لكن "تيجان الرؤوس" لم يحصلوا على النتائج المرجوة هذه المرّة، وأصبحوا مادة دسمة للفكاهة الاجتماعية الملقبة داخل الأوساط العراقية بالـ"تحشيش".

فكل صفحة من صفحاتهم بدأت قبل موعد الانتخابات بعدة شهور بنشر العشرات من الفيديوهات الساخرة على "تيجان رؤوس" منافسة، وبعد انقشاع غبار "الـتحشيش" سقطت "التيجان" في فم العراقي وحوّلها لعلكة ينفخها ويفرقعها كل ما ضرب يومه الملل. وبهذه الطريقة لم يسلم واحد منهم من فك "التحشيش"، وتحوّل جميعهم من رمز مقدّس إلى نكتة صاخبة.

ويضيف مرتضى محمد، أنه "ومن خلال عمله كصحافي ومدوّن في الفيسبوك، يرى أن تمويل صفحات الجيوش الإلكترونية هو السبب الرئيس الذي أطاح بهم، إذ أن عمل هذه الجيوش يتمّ وفق تجنيد مجموعة إعلاميين تحت قيادة شخص يدفع لهم أموالًا أكبر من رواتبهم في الصحف والمحطات التلفزيونية، مما يدفعهم إلى مهاجمة جيوش إلكترونية معادية بأقسى شكل ممكن، وتحت مرأى ومسمع المواطنين في وسائل التواصل، وكانت نتيجة هذه الحرب الإعلامية بين جميع الأطراف، هي القتل المعنوي للرموز التي يدافعون عنها".

في الأيّام الأخيرة الماضية، تصاعد الحديث عن قانون حريّة التعبير المراد الذي عرضه على البرلمان العراقي لأجل التصويت عليه، هذا القانون ينصّ على محاسبة من يتعرّض لشخصية سياسية بالشتم أو السخرية كما يضع قيودًا على تنظيم التظاهرات. رد الفعل الشعبي جاء كما لم يتوقّعه أحد، حيث سارع أغلب المدونين بإخراج ما في جعباتهم من مهارات "تحشيشية" قبل إقرار القانون، وشبّه البعض منه هذه العملية بشرب كميات كبيرة من الماء قبل الإمساك في شهر رمضان، حتى جاءت النتيجة بتأجيل التصويت على القانون الذي يبدو أنه لن يمرّر.

من جهته، يعتقد مدوّن فضّل عدم الكشف عن اسمه أنه "لا جدوى من هذا القانون" معلّلًا ذلك بمئات الآلاف من التعليقات التي تسخر من السياسيين في صفحات التواصل الاجتماعي، وأن ملاحقة هذا العدد قانونيًا ضرب من المستحيل، لكن رغم ذلك يجب معارضة القانون حتى لا يستغل ضد الأصوات المدنية المستقلة التي تعارض السياسات الفاسدة وتنتقد الأخطاء في حساباتهم الشخصية التي تحظى بمتابعة الآلاف من الناس على حدّ قوله.

وكان أحد أشهر ردود الأفعال في شبكات التواصل بخصوص هذا القانون، هو ما كتبه الشاعر أحمد عبد الحسين تعليقًا على اقتراب موعد التصويت: "الحمد لله، لم أخرج في حياتي كلها في تظاهرة مرخصة".

المساهمون