الشباب التونسي والهجرة .. حطام الثورة على شواطئ أوروبا

الشباب التونسي والهجرة .. حطام الثورة على شواطئ أوروبا

21 يونيو 2017
(خفر السواحل التونسية تنقذ مهاجرين، تصوير: فتحي ناصري)
+ الخط -

"صحيح أن الظروف هنا صعبة للغاية، لكننا نخيّر العيش تحت تهديدات الترحيل، على إهانتنا في تونس من قبل أبناء بلدنا"، بهذه الكلمات اختار مختار- اسم مستعار- الحديث لـ"جيل" عن الظروف التي دفعته لمغادرة موطنه الأصلي نحو فرنسا.

مختار، الشاب البالغ من العمر 26 سنة والذي طلب عدم كشف، ليس وحده من ضاقت به السبل وخيّر الهجرة غير الشرعية على البقاء في تونس، فخلال السنوات الأخيرة، تمكّن عشرات الآلاف من الشباب التونسي رجالًا ونساء، من الوصول إلى فرنسا وإيطاليا بغير الصيغ القانونية، طمعًا في تحسين ظروف عيشهم.

في شهر ديسمبر الماضي، كشف رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمان الهذيلي، أن حوالى 35 ألف مهاجر بطريقة غير شرعية عبروا البحر المتوسّط انطلاقاً من الشواطئ التونسية في اتجاه أوروبا منذ اندلاع الثورة، في حين تؤكّد الحكومة التونسية أن عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين يبلغ 20 ألف شخص فقط، مشيرًا إلى أن أكثر من 1000 تونسي لقوا حتفهم عند محاولتهم اجتياز الحدود البحرية الإيطالية خلسة.

ورغم صعوبة طريقة الوصول إلى أوروبا وخطورتها، إلا أن بعض الشباب التونسي اختار المقامرة بحياته على البقاء في بلاده، ومن هنا كان لـ"تجّار الموت" طريقتهم الخاصة في بيع الوهم لضعاف النفوس من خلال تصوير أوروبا على أنها الجنة التي يستوجب الوصول إليها بذل الغالي والرخيص.

لا تتنوع الخيارات أمام الطامحين للهجرة إلى أوروبا، فإما امتطاء قوارب الموت للوصول إلى جزيرة "لامبادوزا" الإيطالية، وإما عقد عمل غير قانوني للحصول على تأشيرة وقتية لدخول فرنسا، ومن هناك تبدأ رحلة المعاناة للظفر بعمل والهروب من الملاحقات الأمنية التي لا تنقطع.

تصل أسعار "الحرقة" كما يسمّيها الشباب التونسي إلى نحو 15 ألف دينار (6 آلاف دولار)، لا تشمل تذكرة السفر إذا ما تعلّق الأمر بالحصول على عقد عمل وهمي، في حين لا تتجاوز في غالب الأحيان الـ5 آلاف دينار عبر "قوارب الموت" التي تحمل عشرات الشباب الطامح للعيش في "جنة الدنيا".

وفي هذا السياق يقول مختار: "لم أجد أكثر مما توقعته قبل مجيئي إلى فرنسا، فقد تواصلت مع عديد الأصدقاء المقيمين هنا وشرحوا لي الظروف التي سأجدها بسبب عدم حيازتي وثائق قانونية، ولا أخفيك سرّاً أنني خيّرت العيش هنا في ظروف صعبة جدًا على البقاء في تونس".

وأضاف الشاب التونسي متحسّراً "هجرتي إلى فرنسا لم تكن تهدف فقط إلى تحسين أوضاعي المادية، فقد كانت ظروفي مثالية في تونس، بل أردت أن أعيش في مجتمع يقدّر الآخر ويحترمه ويضمن له مستقبله ومستقبل عائلته، فعلى سبيل المثال ورغم مخالفة المهاجر غير الشرعي لنظام الإقامة هنا، إلا أنه لا يتعرّض لمعاملة سيئة من قبل الشرطة الفرنسية، بل يعامل وفق ما يمليه القانون على عكس ما يحدث في بلادي"، كما لم يخف مختار حنينه إلى تونس شأنه في ذلك شأن كثير من المقيمين هناك، مشيرًا إلى أنه افتقد راحة البال والاطمئنان في فرنسا، بسبب تفكيره المتواصل في عائلته وأصدقائه الذين تركهم مكرهًا، وفق تعبيره.

وتؤكد دراسات محلية ودولية، أن أسباب الهجرة غير الشرعية لا تزال قائمة رغم اندلاع ثورة 14 يناير، حيث أظهرت دراسة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنظمة روزا لكسمبورغ بعنوان "الشباب والهجرة غير النظامية"، أنّ 30.9 في المائة من الشباب التونسي عبروا عن استعدادهم للانخراط في الهجرة غير الشرعية، في حين ذكر 45.2 بالمائة من المستجوبين أنهم بصدد التفكير حاليًا في الهجرة نحو أوروبا.

وأظهرت الدراسة الميدانية التي نشرت نتائجها، نهاية شهر ديسمبر الماضي، والتي تناولت عينة متكونة من 1168 شابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة، أن 25.1 بالمائة من الشباب فكروا إبان الثورة في الهجرة مقابل 29.7 بالمائة فكروا في الهجرة قبل الثورة.

ويقول مختصّون وباحثون حول هذه الظاهرة، أن أغلب التونسيين ممن انخرطوا في رحلات الهجرة غير النظامية هم بالأساس من التلاميذ أو الطلبة أو العاطلين عن العمل، الذين يتحدر أغلبهم من أحياء مهمّشة ومقصية اقتصاديًا واجتماعيًا.


بدورها شرحت الكاتبة التونسية المقيمة في إيطاليا، سوسن برينيس، الأوضاع المأساوية التي يعيشها المهاجرون التونسيون بصفة غير شرعية إلى إيطاليا ودور السياسيين الإيطاليين في المتاجرة بملفاتهم.

وقالت "برينيس" لـ"جيل" بما أن إيطاليا هي الأرض الأوروبية الأقرب للسواحل التونسية فإنها البوابة التي يتصوّر من خلالها هؤلاء الشباب عن جهل بالواقع، أنها ستحملهم إلى جنات العالم الحر أين ينتظرهم العيش الرّغد ويستقبلون بالأحضان، ولكن الواقع مرير للأسف، فرغم أن أغلب هؤلاء المهاجرين يقضون غرقًا في مياه المتوسط إلا أن الناجين منهم يصطدمون بحقيقة استقبالهم في مراكز تجميع هي أقرب للمعتقلات أين يحضون بالأكل والشرب وبالعناية الصحية، لكن تحدد حركتهم في انتظار الفصل في ملفات لجوئهم كل على حده.

وأضافت "هم ودون أن يشعروا موضوع مزايدة وسجال حام بين السياسيين الإيطاليين، بين من يرى بضرورة استقبال المهاجرين ومن يرفض ذلك ويرى أنهم تهديد للأمن القومي ومصدر للجريمة والإرهاب وأن الاتحاد الأوروبي يكتفي بضخ الأموال لإنشاء مراكز الاستقبال بينما تدفع دول الاستقبال ثمنًا باهظًا من أمنها وتركيبتها السكانية نتيجة ذلك".

وكشفت الكاتبة التونسية، أن أحزاب أقصى اليمين تتغذى وتعيش على التنديد بسياسة الهجرة لأحزاب اليسار وتحرّض ليل نهار عليه، داعية إلى إيقافها، وأشارت المتحدّثة إلى أن هناك دعوات صادرة عن متطرّفين لإغراق مراكب الهجرة غير النظامية في البحر براكبيها، بدل إنقاذ المهاجرين واستقبالهم في إيطاليا.

المساهمون