المثلجات في غزّة.. الصيف ينتهي بعد ثلاث ساعات

المثلجات في غزّة.. الصيف ينتهي بعد ثلاث ساعات

05 يوليو 2017
(في مدينة غزّة، تصوير: محمد عبيد)
+ الخط -

لا تكاد البضائع المستوردة بشتى أنواعها تجتاز قطاع غزة، إلا ومورست كل وسائل الحصار والتضييق لمنع دخولها على مدار 11 سنة، وأمام هذا الواقع؛ خلق الغزّاويون عدّة وسائل للمواجهة، إما عن طريق توفير سلع محليّة بديلة، وإما من خلال تهريبها عبر الأنفاق على الحدود المصرية، وإن أصبحت اليوم تهرّب بشكل محدود جدًا مقارنة بالفترات الماضية، حيث بلغت ذروتها ما بين عام 2011 حتى منتصف 2013، لكن الحصار اليوم طاول مكوّنات الأدوات الأساسية التي يحتاجها الغزاويون، وبدا الاحتلال الإسرائيلي قريبًا من منع الأدوات التي يتمّ بها تصنيع هذه المنتجات.

اليوم، لم يعد أمام الغزاويين سوى الهواء الذي لم يحاصر، كما عبّر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أمام فرض الضرائب على جميع السلع والخدمات بأضعاف القيمة العادية من قبل الإدارة العاّمة لشؤون غزة التي تحكمها حماس، وأيضًا أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصرهم، ومع حرارة الصيف القاسي هذا العام وانقطاع الكهرباء الذي يتجاوز 20 ساعة يوميًا، باتوا أيضًا محرومين من المثلجات التي يُمكن اعتبارها من أبسط درجات الرغبات المتوافرة في جميع المجتمعات الفقيرة والغنيّة في العالم.

مصانع المثلجات في قطاع غزّة يهدّدها "كابوس الإغلاق"، كما حصل مع آلاف المصانع التي أغلقت بسبب الحصار والعدوان المتكرّر على البلاد، وبسبب استمرار أزمة الكهرباء، دفعت أصحابها ‏الى تخفيض ساعات العمل التي تصل في الغالب إلى ثلاث ساعات فقط مع تقليص الإنتاج، إلى جانب تسريح عدد كبير من العمال لعدم مقدرتهم تحصيل إنتاج كافي للرواتب، حيث يوجد أكثر من ستة مصانع بها قرابة الـ 200 عامل.

أمام تلك الأزمة، يُحرم الغزاويون من تناول المثلجات التي تعتبر رخيصة الثمن وفي متناول العائلات البسيطة من محلّات البيع المنتشرة في الأحياء السكنية، لكن أمام هذا الحرمان يكثر المستغلّون لتلك الظروف، ويعمل بعضهم على رفع سعر المثلّجات لأنه يقوم بتوفير الكهرباء التي تمكّنه من تبريدها، وآخرون يوزّعونها على المحلّات بسعر مرتفع، بينما تفتح محلّات مثلجات كثيرة في غزّة أبوابها، وهي تحمل نكهات مختلفة ما بين غربية وشرقية، لكنها ليست في متناول الفقراء.

أحد أصحاب المحلاّت التجارية في غزة، مؤمن الطويل، قطع بيعه المثلجات الرخيصة منذ ثلاثة أعوام بسبب أزمة الكهرباء التي لا تمكنه من استقطابها وبيعها في حي الشجاعية، يلاحظ اليوم أن البوظة والإسكمو المثلج وحتى البراد، أصبحت نادرة في المحلّات الكبيرة والصغيرة عدا محلات المثلجات الموجودة في شارع عمر المختار وسط مدينة غزّة، وهي غالية الثمن مقارنة مع كل قطعة تبلغ نصف شيكل أو شيكل واحد، أما في شارع عمر المختار تصل من 5 شيكلات إلى 15 شيكلا، أي من 1.8 دولار إلى 5.5 دولارات.

يقول الطويل في حديث إلى "جيل": "لا شك في أن البوظة انضمت للمئات من المنتجات الخارجية والسلع المحاصرة عن غزة بفعل الكهرباء ومنع بعض النكهات وبعض لوازمها، حيث أصبح أصحاب الدخل المحدود والفقراء يعتبرونها من رفاهيات الأغنياء، خصوصًا هذا العام".

الشاب محمد الضباع، سبق له أن سافر إلى عدة بلدان عربية وأوروبية، أشار إلى أن الكثير من منتجات المثلجات في غزّة هي أغلى ثمنًا من المثلجات في الدول العربية والأوروبية كما كان يشتريها، لكنه يلاحظ على عدد من المحلّات المختصة بالبوظة تقوم باستغلال الوضع الاقتصادي وندرة وجود مثلجات رخيصة في المحلّات وتقوم برفع سعر المثلجات بحجّة أنها تحمل أسماء مثلجات عالمية ومحتويات مغرية للزبون.

ويستطرد المتحدث "الظروف تدفع المواطن عن الابتعاد عن أشياء ربّما هو بحاجة لها في هذا الحرّ، والمحلات التي تصنع المثلجات ترفع السعر، وكأنها تقول أهلًا بالأغنياء ومن يقدر على دفع المال باستمرار".

أصعب المواقف التي تحصل أمام الأسر الفقيرة في غزّة عندما يرافقون أطفالهم للمتنزهات العامة أو الشواطئ، ويشاهد أطفالهم أسرًا أخرى بإمكانها اقتناء ما تريد من المثلجّات بينما يكتفون فقط بالتنزّه لعجزهم عن الدفع، حيث إن مصطفى وهو أب لخمسة أولاد، لم يتمكّن من شراء المثلجات من أحد أشهر محلات البوظة على شاطئ بحر غزة، عندما طلب منه أبنائه خلال تجوّلهم يوم الجمعة الماضي، فهو يرى أن ثمن المثلجات بسعر 15 دولاراً يمكن أن يوفّر له الكثير من حاجيات المنزل اليومية، في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة وعدم حصوله على نصف راتبه المستحق شهريًا الذي يتقاضاه من حكومة غزة.

يقول مصطفى "الكثير من الرغبات بتنا محرومين منها في ظل الوضع المعيشي المميت، وتحصل تناقضات في حياتنا اليومية، بينما نهرب من حرّ المنازل ومن ظلمة الكهرباء للشارع أو البحر أو المتنزهات ينظر أبناؤها للمثلجات أو المسليات ليشتروها، وهنا الأغلبية لا يستطيعون شراء ما يرغب فيه أطفالهم".

المساهمون